آخر تحديث :الأحد-22 ديسمبر 2024-02:10ص

بين الأمل والإخفاق .. قراءة في مسار حكومة د. أحمد بن مبارك

الأربعاء - 04 سبتمبر 2024 - الساعة 01:44 ص

وحيد الفودعي
بقلم: وحيد الفودعي
- ارشيف الكاتب


باحث ومحلل اقتصادي

عند تعيين الدكتور أحمد بن مبارك رئيساً للحكومة اليمنية، تأمل الكثيرون أن يكون هذا التعيين نقطة تحول جذرية في مسار الأزمات المتفاقمة التي تعصف باليمن منذ سنوات. استندت هذه الآمال إلى خلفية بن مبارك التكنوقراطية وسمعته كدبلوماسي محنك، فضلاً عن معرفته العميقة بالملفات الوطنية والاقتصادية المعقدة. وُضعت على عاتقه تحديات جسام تتطلب منه قيادة حكيمة وحازمة لإخراج البلاد من دوامة الحروب والانقسامات والانهيارات الاقتصادية.

ولكن مع مرور الوقت، تلاشت هذه الآمال. بدلاً من القيادة الحازمة والقرارات الجريئة، اكتفت حكومة بن مبارك باستعراضات شعبوية وزيارات ميدانية غير مجدية، تفتقر إلى استراتيجية واضحة أو رؤية عملية لمعالجة الأزمات. الحكومة التي تعمل بدون موازنة عامة تبدو عاجزة عن تحقيق أي تقدم ملموس. غياب الموازنة يعني غياب التخطيط المالي والإدارة الفعالة للموارد، مما ينعكس بشكل مباشر على كفاءة العمل الحكومي وقدرته على تلبية احتياجات المواطنين وتقديم الخدمات الأساسية.

التحديات الاقتصادية: بين انهيار الريال وغياب التخطيط

منذ اللحظة الأولى لتولي بن مبارك زمام الأمور، واجهت حكومته تحديات اقتصادية هائلة كان أبرزها الانهيار المتسارع لقيمة الريال اليمني. فخلال فترة زمنية قصيرة، شهدت العملة الوطنية تدهوراً حاداً وغير مسبوق، حيث قفز سعر صرف الريال السعودي من 435 إلى 500 ريال يمني، مما أدى إلى ارتفاع التضخم وانخفاض القوة الشرائية للمواطنين. هذا التدهور لم يكن مجرد مؤشر على أزمة اقتصادية عابرة، بل كان تجسيداً لحالة من الفشل الحكومي في إدارة السياسة النقدية والمالية للبلاد.

الانهيار الاقتصادي كان نتيجة مباشرة لغياب السياسات النقدية والمالية الفعالة وعدم وجود آليات رقابة صارمة على تدفق العملة الصعبة، وتوقف صادرات النفط نتيجة هجمات الحوثيين على موانئ تصديره، إلى جانب التلاعب المستمر بأسعار الصرف من قبل المضاربين والسماسرة. كان من المتوقع أن تتخذ حكومة بن مبارك إجراءات حاسمة وعاجلة لإنقاذ الريال، عبر وضع خطط إصلاحية شاملة تتضمن إصلاح النظام المصرفي، وتعزيز الاحتياطيات النقدية، وإعادة هيكلة الدين العام، بالإضافة إلى تفعيل دور المؤسسات الرقابية لضمان استقرار السوق. لكن، بدلاً من ذلك، ظلت الحكومة مترددة وغير قادرة على اتخاذ قرارات جريئة.

البنك المركزي اليمني: قرارات أثارت الجدل وتحديات مزدوجة

على الصعيد النقدي، كان دور البنك المركزي اليمني في عدن محوراً للكثير من الجدل والنقاش. فالقرارات التي اتخذها البنك كانت تحمل في طياتها تأثيرات مزدوجة على الاقتصاد والسياسة في آن واحد. على سبيل المثال، اتخاذ قرارات تتعلق بنقل المراكز الرئيسية للبنوك من صنعاء إلى عدن، تلاها قرارات تقضي بمعاقبة ستة من أهم البنوك العاملة في البلاد تمثل 70% من القطاع المصرفي، ثم أخيراً قرار سحب التراخيص عن هذه البنوك. تم اتخاذ هذه القرارات دون دراسة معمقة للعواقب الاقتصادية والاجتماعية والتي يمكن أن تؤدي إلى نتائج كارثية. هذه القرارات، التي كان من المفترض أن تكون جزءاً من استراتيجية نقدية شاملة، جاءت في كثير من الأحيان كرد فعل لحظي على الأزمات، بدلاً من أن تكون مبنية على تخطيط مسبق وتحليل عميق للوضع الاقتصادي.

الغياب الواضح للتنسيق بين الحكومة والبنك المركزي خلق فجوة كبيرة في إدارة الأزمات المالية. فعلى الرغم من أن البنك المركزي يُعدّ أداة رئيسية لتحقيق الاستقرار النقدي، إلا أن دوره تأثر بشكل كبير بالتجاذبات السياسية، مما أدى إلى فقدان الثقة في النظام المالي ككل.

التحديات السياسية: جمود في الملفات الوطنية الحساسة

على الصعيد السياسي، لم تُحقق حكومة بن مبارك أي تقدم يُذكر في معالجة الملفات الوطنية الحساسة. بل على العكس، ظل الوضع السياسي في البلاد في حالة من الجمود والتدهور. الأزمة السياسية في اليمن تتطلب قيادة قادرة على التعامل بحكمة مع التحديات الراهنة، بدءاً من الصراع على السلطة وانتهاءً بتعزيز وحدة الصف الوطني. لكن، ما ظهر للعيان هو غياب استراتيجية سياسية واضحة، وتردد في اتخاذ قرارات حاسمة تتعلق بالمصالحة الوطنية وإعادة بناء مؤسسات الدولة.

ملفات مثل ملف السلام مع الحوثيين، وإعادة إعمار المناطق المحررة، وتعزيز سيادة القانون، وبناء دولة المؤسسات، لم تحظَ بالاهتمام الكافي من قبل الحكومة. بدلاً من ذلك، انشغلت الحكومة بمشاريع ثانوية وزيارات خارجية لم تحقق نتائج ملموسة على الأرض. هذا الغياب عن معالجة الملفات الحساسة أدى إلى زيادة التوترات الداخلية وتفاقم الانقسامات، مما جعل من الصعب الوصول إلى أي تسوية سياسية شاملة.

الأزمة الإنسانية: فشل في تقديم الخدمات الأساسية

على الصعيد الإنساني، شهدت اليمن تدهوراً كبيراً في تقديم الخدمات الأساسية، خاصة في مجال الكهرباء والمياه والصحة. مدينة عدن، على سبيل المثال، تعاني من انقطاعات متكررة للتيار الكهربائي، مما أثر بشكل مباشر على حياة المواطنين وأدى إلى زيادة معاناتهم. هذه الأزمات المتتالية ليست مجرد مشاكل تقنية بسيطة، بل هي نتاج لسياسات حكومية فاشلة وغياب التخطيط السليم لإدارة الموارد المتاحة. اضف الى ذلك، اليمن يعاني من واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم. نحو 80% من السكان بحاجة إلى مساعدات إنسانية، وقد تسببت الحرب في نزوح أكثر من 4 ملايين شخص.

الأزمة الإنسانية في اليمن تتطلب تحركاً عاجلاً من قبل الحكومة لتوفير الخدمات الأساسية وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع المناطق المتضررة. لكن، مع غياب التنسيق بين الوزارات المعنية وافتقار الحكومة إلى رؤية واضحة للتعامل مع الأزمات الإنسانية، ظلت المعاناة مستمرة دون حلول حقيقية.

المقارنة بين أداء بن مبارك ومعين عبد الملك: أين يكمن الفرق؟

عند مقارنة أداء بن مبارك مع سلفه الدكتور معين عبد الملك، يظهر الفرق جلياً. فقد كان الدكتور معين عبد الملك نشطاً وفعّالاً في إدارة الأزمات السياسية والاقتصادية، حيث اتخذ العديد من القرارات الجريئة التي ساهمت في تحسين الوضع العام في البلاد. تعامل معين مع العديد من الأزمات التي واجهت البلاد بكفاءة عالية، ونجح في تحقيق تقدم ملموس في ملفات عدة، أبرزها تحسين العلاقات مع دول الجوار، وتفعيل دور المؤسسات الحكومية، وتحقيق بعض الاستقرار الاقتصادي النسبي.

في المقابل، بدت حكومة بن مبارك وكأنها تفتقر إلى الديناميكية والحيوية. غياب المبادرة واتخاذ القرارات الحاسمة أدى إلى تفاقم الأزمات بدلاً من حلها. هذا الغياب الواضح للقيادة الفعالة يعكس حالة من الجمود والضعف في إدارة الدولة، مما يزيد من صعوبة تحقيق أي تقدم في المستقبل القريب.

الدور الخارجي لبن مبارك: هل يكفي الدبلوماسية؟

في ظل هذه التحديات الداخلية، لجأ بن مبارك إلى تعزيز الدور الخارجي عبر الدبلوماسية وزيارة الدول الشقيقة والصديقة. صحيح أن تعزيز العلاقات الخارجية يُعدّ جزءاً مهماً من دور أي حكومة، لكن التركيز المفرط على هذا الجانب دون معالجة القضايا الداخلية يُعدّ هروباً من الواقع.

الدبلوماسية وحدها لا تكفي لحل الأزمات المعقدة التي تواجهها البلاد، خاصة في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية والإنسانية. الحكومة بحاجة إلى توجيه جهودها نحو الداخل، والعمل على إيجاد حلول جذرية للأزمات التي تهدد استقرار البلاد وأمنها.

توصيات عاجلة

لتعزيز أداء حكومة الدكتور أحمد بن مبارك وتحقيق تقدم ملموس في ظل التحديات الحالية، ينبغي على الحكومة أن تركز جهودها على استقرار الاقتصاد من خلال إعادة تصدير النفط والغاز، وتطبيق سياسات نقدية صارمة لإدارة سعر الصرف، إلى جانب إصلاح شامل للنظام المصرفي ووضع ميزانية تعكس الاحتياجات الحقيقية للدولة. من الضروري أيضاً معالجة الأزمات الإنسانية عبر تحسين توزيع المساعدات وتعزيز الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والصحة، خاصة في المناطق المتضررة. على الصعيد السياسي، يتطلب الأمر تفعيل الحوار الوطني والعمل على تحقيق تسوية شاملة تُنهي الصراع الداخلي وتعزز الوحدة الوطنية. كما يجب أن تكون هناك خطة متكاملة لإعادة بناء البنية التحتية المدمرة، مع التركيز على قطاع الطاقة والبنية الأساسية الأساسية. وأخيراً، مكافحة الفساد وتعزيز الحوكمة والشفافية يعدان من الأولويات الضرورية لضمان فعالية المؤسسات الحكومية وقدرتها على تقديم الخدمات بكفاءة وشفافية.

الخلاصة: بين الأمل والإخفاق

في الختام، يمكن القول إن حكومة الدكتور أحمد بن مبارك لم ترتقِ إلى مستوى التحديات التي تواجهها اليمن. في ظل إدارة تفتقر إلى التخطيط الاستراتيجي والرؤية السياسية الواضحة، تظل البلاد تواجه مستقبلاً غامضاً ومليئاً بالتحديات. غياب الموازنة العامة، والانهيار الاقتصادي، والتدهور السياسي والإنساني، كلها عوامل تجعل من الصعب جداً تحقيق أي نجاح يُذكر. ومع ذلك، يبقى الأمل معقوداً على قدرة الحكومة على مراجعة سياساتها وتوجيه جهودها نحو معالجة القضايا الوطنية بجدية وحزم، قبل فوات الأوان.