آخر تحديث :الأحد-22 ديسمبر 2024-02:10ص

الفن في مواجهة الاستغلال: أبعاد احتكار أيوب طارش لأغانيه الوطنية

السبت - 14 سبتمبر 2024 - الساعة 11:48 م

وحيد الفودعي
بقلم: وحيد الفودعي
- ارشيف الكاتب


في الآونة الأخيرة، برزت قضية احتكار الفنان الكبير ايوب طارش لأغانيه الوطنية، مثيرةً جدلاً واسعًا بين مؤيد ومعارض. لكن عند التفكير في هذه المسألة بشكل متعمق، نجد أن الموضوع يتعدى حدود الاحتكار ليصل إلى مناقشة حقوق الفنانين، وعلاقاتهم بالمجتمع، وكذلك الأبعاد الاقتصادية والإنسانية والأخلاقية التي تنطوي عليها مثل هذه القضايا. إن معالجة هذه القضية تتطلب رؤية شمولية تأخذ بعين الاعتبار توازن المصالح بين حق الفنان في الاحتفاظ بحقوقه واستفادة الجمهور من أعماله الفنية.

أولاً: الحقوق المادية والفكرية

من الناحية الحقوقية، يمكن القول إن أيوب طارش يمتلك الحق الكامل في التحكم بمصير أغانيه الوطنية، حتى وإن كانت تلك الأغاني قد أُنتجت في إطار تعاون مع الدولة اليمنية. فطالما أن الأغاني مرتبطة باسمه وصوته، فإن من حقه استغلالها ماديًا وفكريًا. إن نشر هذه الأغاني بشكل غير منظم على وسائل التواصل الاجتماعي قد يؤدي إلى استغلالها من قبل مشاهير تلك المنصات، الذين قد يجنون آلاف الدولارات من وراء مشاهدات تلك الأغاني. وهنا، يبقى السؤال المطروح: هل من العدل أن تُستغل تلك الأغاني بشكل تجاري من قبل أشخاص لا علاقة لهم بإنتاجها أو أدائها، بينما يُحرم الفنان نفسه من عوائدها؟

في المقابل، يمكن الاستماع لتلك الأغاني في أي وقت ودون إنترنت بعد تحميلها على الهاتف أو الكمبيوتر الشخصي، ويمكن تناقلها وتداولها من شخص لآخر عبر البلوتوث أو الماسنجر، ولكن يجب وضع ضوابط على نشرها على المنصات العامة مثل "فيسبوك" و"يوتيوب". إذا أصبحت الأغاني مشاعًا في هذه المنصات وبلا ضوابط، فمن المحتمل أن يفقد أيوب طارش حقه في العوائد الفكرية والمادية التي يستحقها عن كل مرة تُشاهد فيها أعماله. من هنا، يتضح أن التوازن بين حق الجمهور في الاستماع وحق الفنان في الحماية المادية والفكرية أمر في غاية الأهمية.

ثانيًا: البعد الاقتصادي والمادي

من الناحية الاقتصادية، تحميل ونشر الأغاني الوطنية على صفحات التواصل الاجتماعي بدون إذن رسمي من صفحة أيوب طارش أو قناته على "يوتيوب" يُعد خسارة مزدوجة للطرفين. المستخدم يخسر بعض الوقت والجيجا بايتات من البيانات لتحميل الأغنية، في حين أن الفنان يخسر فرصة حصوله على المشاهدات والعوائد المادية المحتملة التي تأتي من نشر تلك الأغاني على قنواته الرسمية.

الحل الأمثل هو مشاركة الأغاني من القنوات الرسمية للفنان على وسائل التواصل الاجتماعي، بدلاً من إعادة نشرها في صفحات أخرى. هذه الطريقة تضمن للفنان عوائد المشاهدات وتعزز من انتشاره على تلك المنصات، وتقطع الطريق أمام استغلالها أو الاستفادة منها ماديًا من قبل المشاهير بدون وجه حق. في هذا السياق، يُعتبر التوزيع العادل للمنافع بين الفنان والجمهور من خلال هذه المنصات هو الحل المثالي، حيث يمكن للجمهور الاستمتاع بالمحتوى وفي الوقت نفسه دعم الفنان بشكل مباشر. يمكن أن يساهم ذلك في تشجيع الفنانين الآخرين على تقديم محتوى أكثر جودة واستمرارية.

ثالثًا: البعد الإنساني

أما من الجانب الإنساني، فإن أيوب طارش ليس فقط فنانًا قدم أغاني للوطن، بل هو رمز من رموز الفن والتراث اليمني، فقد غنى عن الأرض والمرأة والإنسان والحب والجمال والثورة والوطن. إن ما قدّمه أيوب طارش للشعب اليمني يعكس روحًا فنية وإنسانية عميقة لا يمكن إنكارها. في هذا السياق، من الإنصاف أن ندعمه في حقه باحتكار أغانيه والاستفادة من عوائدها.

الفنان أيوب طارش مر بظروف حياتية صعبة، وقد تنكر له العديد من الجهات، بما في ذلك الدولة. لذلك، من الإنسانية أن نرد له الجميل من خلال احترام حقوقه ومساعدته في الاستفادة من إرثه الفني. المشاركة الواعية لأغانيه من صفحاته الرسمية ستُسهم في دعمه ماليًا ونفسيًا، وسيتيح له ذلك جني الأرباح التي يستحقها من مشاهدات أغانيه الوطنية التي قدمها بكل حب وإخلاص لوطنه. هذه الأغاني، التي تمثل جزءًا من الهوية الوطنية اليمنية، يجب أن تُحترم كما يجب احترام من قدّمها، والاعتراف بإسهاماته الفنية.

ما قدّمه أيوب طارش لليمن، يضعه في مكانة فنية وإنسانية رفيعة. لقد شكل بصوته جزءًا من الذاكرة الثقافية والوطنية للبلاد. وفي ظل الظروف الصعبة التي مر بها الفنان، من الضروري أن ندعمه ونحترم حقه في الاستفادة من إرثه الفني. إن احترام حقوقه هو شكل من أشكال الاعتراف بالجميل الذي قدّمه للوطن وللشعب.

رابعًا: البعد الأخلاقي

الجانب الأخلاقي يفرض علينا أن نكون في صف الفنان، لا ضده، فأيوب طارش رمز وطني لا يقبل القسمة على اثنين. لاحظنا مؤخرًا انقسامًا بين من يؤيد حق أيوب طارش في احتكار أغانيه الوطنية ومن يعارض هذا الاحتكار. لكن المؤسف هو أن الجدل حول احتكار أيوب طارش لأغانيه قد انحرف في بعض الأحيان إلى مستوى غير مقبول من الإساءة الشخصية. تاريخ أيوب طارش الفني الطويل والزخم الذي خلقه بأعماله الوطنية يجب أن يحظى بالتقدير والاحترام. الانتقادات اللاذعة لا تعكس روح الأخلاق التي يجب أن تسود في مثل هذه النقاشات. فالفن رسالة نبيلة، ويجب أن يُعامل من يقدمون تلك الرسالة بما يليق بهم من احترام وتقدير.

الأخلاق الفنية تقتضي منا دعم الفنان وتقدير جهوده وليس مهاجمته أو النيل من حقوقه. الحفاظ على القيم الأخلاقية في التعامل مع مثل هذه القضايا الفنية يعكس تطور المجتمع وثقافته في احترام الفن والفنانين. يجب أن نكون قدوة للأجيال القادمة في كيفية تعاملنا مع قضايا الحقوق الفنية بطريقة أخلاقية ومنصفة.

في الختام، إن التعامل مع قضية احتكار أيوب طارش لأغانيه الوطنية يتطلب فهمًا أعمق لأبعادها المتعددة. ليس الأمر مجرد قضية حقوق فكرية، بل يمتد ليشمل اعتبارات اقتصادية، إنسانية، وأخلاقية. علينا أن نتعامل مع هذه المسألة بعين الإنصاف، وأن نُدرك أهمية دعم الفنانين وحماية حقوقهم في عالم يزداد فيه استغلال المحتوى دون اعتبار للجهود المبذولة في صناعته.

من الواجب علينا أن نكون واعين بمسؤوليتنا في دعم الفنانين الكبار الذين شكلوا وجداننا الوطني والثقافي. دعونا نرد لهم الجميل بما يليق بمكانتهم. فالفن ليس مجرد أغنية تُسمع، بل هو قيمة ورسالة يجب أن تُصان، ويجب أن تبقى هذه الرسالة حية، تصل إلى الأجيال القادمة بنفس الشغف والقوة التي غُرست في نفوسنا.

إضافة إلى ذلك، يمكن القول إن دعم الفنانين وحماية حقوقهم الفكرية ليس مجرد مسألة شخصية تتعلق بالفنان نفسه، بل هو واجب وطني ومسؤولية اجتماعية لحفظ الذاكرة الفنية للبلاد. إن تدهور حقوق الفنانين وعدم دعمهم يؤثر سلبًا على المشهد الثقافي والفني، مما يؤدي إلى خسارة محتملة للهوية الفنية التي تُعد جزءًا لا يتجزأ من هوية الأمة نفسها. الاهتمام بحماية حقوق الفنانين هو أيضاً اهتمام بثقافة الأجيال القادمة، الذين لن يجدوا مراجع فنية تعكس أصالة تراثهم إلا إذا تم صون حقوق الفنانين الحاليين.

إن احترام حقوق أيوب طارش وجميع الفنانين يساهم في تعزيز مشهد فني وصحي يستمر في تقديم الفن الراقي الذي يمثل تراث الأمة وثقافتها.