آخر تحديث :الأربعاء-18 سبتمبر 2024-04:21م

من وحي ندوة القيم الأخلاقية بين الدين والتدين

الأحد - 15 سبتمبر 2024 - الساعة 01:27 ص

د. قاسم المحبشي
بقلم: د. قاسم المحبشي
- ارشيف الكاتب


الأخلاق نسبية ولا توجد قيم أخلاقية ثابت ومطلقة وكونية يمكن تطبيقها في كل المجتمعات البشرية.كل مجتمع أو جماعة متعينة في مكان وزمان ما لديها قيمها الأخلاقية والجمالية بحسب ثقافيتها السائدة. ونقصد بالثقافة ذلك المركب الذي يتألف من كل ما نفكر فيه أو نقوم بعمله أو نمتلكه كأعضاء في المجتمع. هذا التعريف الدقيق للثقافة يؤكد وجود ثلاثة انساق متفاعلة في بنية الظاهرة الثقافية هي:
اولا: التحيزات الثقافية: التي تشتمل على القيم الأخلاقية والجمالية والمعتقدات المشتركة بين أفراد المجتمع المعني
ثانيا: العلاقات الاجتماعية: التي تشمل العلاقات الشخصية التي تربط الناس بعضهم ببعض.
ثالثا: أنماط وأساليب الحياة: وهو الناتج الكلي المركب من التحيزات الثقافية والعلاقات الاجتماعية وتميز نظرية الثقافة بين خمسة أنماط أساسية للحياة الاجتماعية والثقافية في المجتمعات المعافية هي :
1-نمط الحياة التدريجية.
2- نمط الحياة المساواتية
3-نمط الحياة القدرية.
4- نمط الحياة الفردية.
5- نمط الحياة الانعزالية.

وحتى نتعرف على القيم الأخلاقية والجمالية السائدة في مجتمع من المجتمعات الإنسانية علينا النظر إلى تلك الكائنات والكيانات التي يمنحها ذلك المجتمع أكبر قدر من التبجيل والتقدير والأحترام حد التقديس احيانا فاذا كان الإنسان هو ذلك الكائن المقدر خير تقدير فيمكنك تقييم القيم الأخلاقية والجمالية لذلك المجتمع بالقياس إلى الإنسان بوصفه القيمة العليا: حياته وكرامته وحقوقه ودمه وعرضة وكل شيء يتصل بسعادته ورفاهيته؛ إذا كان الكائن الإنساني بنوعيه الاجتماعي مقدرا ومحميا ومصانا ولا شيء يعلو عليه فاعلم إن أخلاق ذلك المجتمع إنسانية ويمكن قياسها إما إذا كانت هناك كائنات وكيانات يتم تقديرها وتبجيلها ووضعها في مكانة مرموقة ارفع من الذات الإنسانية فاعلم إن القيم الأخلاقية والجمالية فهي ذلك المجتمعات شديدة الاضطراب وعسيرة على الضبط والقياس.

وعندي إن الضمير الفردي مصدر الفعل الأخلاقي
ولا يمكن الحديث عن القيم الأخلاقية بدون حرية الضمير والقدرة على الأختيار بين الأفعال إذ يعد الكذب والغش والخداع والتزوير والتزييف والمكر والحيلة والتدليس والنصب من القيم الأخلاقية المذمومة عند مختلف الشعوب وفي سائر الثقافات. إذ أن الحياة الاجتماعية لا يمكنها أن تستمر وتستقر وتدوم إذ لم تقوم على أسس من القيم الأخلاقية الفاضلة التي تنطلق من مبدأ؛ إن الانسان والمجتمع الإنساني قيمة عليا يجب أن تحظى بوافر الاحترام والتقدير بوصفه غاية وليس وسيلة. وفي الفلسفة الأخلاقية يعد الكذب والتزوير من أخطر القيم التي تصيب الحياة الاجتماعية بالفساد وتهدد سلامة النظام الاجتماعي بالخراب . وبين الكذب والتزوير تشابه كبير في الشكل والبنية وفي المنطلقات والمقاصد فالتزوير يأتي بمعنى الخداع او الغش والتلاعب من أجل تغيير حقيقة شي ما أو صنع ما يشبهه كإنتاج منتجا لماركة أو طباعة ورق نقدية مزورة مشابهة للنقود الأصلية والهدف هو التحايل على الآخرين ،ومن مظاهر التزوير مايقوم به الاشخاص من عمل يتنافى مع الأخلاق الحميدة كإنتحال شخصية بصفه غير مشروعة أو استبدال ورق مكان ورق آخر كالشهادات والوثائق الرسمية من أجل إثبات صحة اوراق هي في الأساس غير قانونية .الكذب شديد الشبه بالتزوير إذ يكون إما بتزييف الحقائق جزئيا أو كليا واختلاق غيرها أو صياغة روايات وأحداث مختلقة لا تمت للحقيقة بصلة، بنية وقصد الخداع لتحقيق غايات واهداف مقصودة ويقترن الكذب مثله مثل التزوير بعدد من الجرائم الشائعة كالغش والنصب والسرقة والمكر والخيانة والخداع وقد يقترن ببعض المهن أو الادوار مثل السياسة والدبلوماسية أو الحرب النفسية الإعلامية ..الخ. ويأتي الكذب في مقدمة كل القيم الأخلاقية السئة وهو من يوفر الشرط المسبق للتزوير والغش والخداع وفِي الفلسفة الأخلاقية يعد الكذب سيء، لأن الصدق عموماً هو الجيد إذ لو كذب الجميع في كل ما يقولونه، لاصبحت الحياة صعبةً بشكل كارثيّ، فلن نثق عندها بأيّ أحد، ولن نصدق شيئاً مما نسمع، وسيتوجب علينا العمل على إدراك وتوثيق كل ما يحيط بنا، كما أن الحياة بشكلها هذا لن تكون موضع اهتمام الكاذبين! فما فائدة الكذب إن كان الجميع يكذب؟ الكذب سيء، لأنّه مبني على أساس معاملة من يحيط بنا على أنهم وسيلة لتحقيق غاياتنا، ولن تكون غاية وسيلتها استغلال الأخرين أمراً جيّداً.الكذب سيء، لأنه وتبعاً لكل الديانات السماويّة والوضعيّة ولكل واضعي القواعد الأخلاقيّة يسيء إلى الهبة العظيمة المعطاة للبشر ألا وهي الثقة التي تعززالتواصل فيما بينهم. إذ أن تخاطب الإنسان مع الإنسان يندرج في إطار عقدٍ اجتماعيّ محدّد الشروط، وأهم ما يندرج ضمن بنود هذا العقد هو أن من يتحدّث يجب ألّا يكذب. وبذلك ينطوي الكذب على مفارقة منطقية وتناقض داخلي في بنيته الجوهرية . إذ إن الكذاب ينطلق من قاعدة إن الناس على وجه العموم لايكذبون بل يصدقون ما يقال لهم لانهم يعتبرون الكذب مذموم! وهو بذلك يناقض ذاته وكذلك هو الموقف عند مزور العملة يعلم مسبقا إن الآخرين لايزورون العملات، بل يمنحونها ثقتهم في تعاملاتهم النقدية المالية ,ومن هنا تكتسب العملة المزورة قيمتها الوحيدة! فاذا كان كل الناس يزورون العملات فلا معنى ولا قيمة للتزوير أصلاً. وهكذا يحرص الكذاب والمزور حرصا شديدا على ترسيخ قيمة الصدق والثقة والأمانة عند الآخرين من زبائنهم الفعليين والمفترضين. واتذكر أنني ذات يوم وقعت في فخ الكذب ضحية نصاب سيارات شهير في عدن يدعى باحكيم حيث كلمني بلغة الدين والأمانة والحساب والعقاب فصدقته ووثقت بها وفِي ظرف ساعتين عرفت أنه نصب عليّ والحكاية طويلة ويعرفها المستشار القانوني الشهير في دولة الامارات العزيز أمين محسن المحبشي الذين علمني بإن القانون لا يحمي المغفلين يحفظه ارحم الراحمين. وهكذا يمكن القول في الختام إن الكذب والتزوير من أقبح القيم الأخلاقية في جميع الثقافات وعند مختلف الشعوب لإنها تقع على الطرف النقيض من القاعدة الأخلاقية العادلة الإنسانية التي تقول: عامل الناس كما تود أن يعاملوك أو عامل أشباهك من الناس كغايات عالية القيمة والتقدير لا سائل وأدوات لتحقيق غاياتك الذاتية السيئة.
وبهذا جاءت دعوة الفيلسوف الألماني انماوئيل كانط في كتابيه :أسس ميتافيزيقا الأخلاق، وفي نقد ملكة الحكم ، أو نقد العقل العملي. دعوته الى قواعد الواجب والأمر الأخلاقي العقلاني المشروطة بالحرية الفردية التي تستوجب حرية الارادة وقدرتها على الأختيار بين المواقف والاحكام القيمية الممكنة. والقواعد الأخلاقية الاساسية هي اولاً: أعمل دائما بحيث يكون في استطاعتك أن تجعل من قاعدة فعلك قانونا كليا للإنسانية.
ثانياً: اعمل دائما بحيث يكون تعامل الإنسانية في شخصك وفي الأشخاص الآخرين كغاية إنسانية عامة لا كمجرد وسيلة لتحقيق غاية شخصية.
ثالثاً: اعمل دائما بحيث تكون إرادتك- باعتبارك كائنا عاقلاً ذي ضمير حر - متوافقة مع مقتضيات العقل في تحمل المسؤولية .
وهناك فرق بين أخلاق النية وأخلاق الفعل
وحينما تسود حرية الإرادة والقدرة على الاختيار تكون المسؤولية الأخلاقية جديرة بالقيمة والاعتبار. والعكس صحيح وهذا موضوع إشكالي في الفكر الأخلاقي العربي الإسلامي يطول شرحه.

في البدء كان الفعل وليس النية

السلوك قبل الوعي، والافعال قبل الكلام فإذا تغيرت الشروط المادية لحياة الناس وتحسنت فرص عيشهم بما يشبع حاجاتهم الاساسية فربما تتغير افكارهم وأفعالهم وتفاعلاتهم وأنماط علاقاتهم الاجتماعية وقيمهم وسلوكهم إذ أن أفكار الناس تنبع من واقع علاقاتهم الاجماعية في عالم الممارسة اليومية والسؤال هو: لا ماذا يفعل الناس؟ ويعتقدون ويقولون؟ بل لماذا يفعلون ما يفعلونه ويقولون ما يقولونه ؟! والأيديولوجيا تعني أن الناس يفكرون من اقدامهم ! والثقافة بالمعنى الانثروبولوجي؛ هي ما يبقى بعد نسيان كل شيء! بمعنى أن الوعي إذا لم يترسخ في السلوك ويكتسب صفة العادة لا يصمد كثيرا في مواجهة تحديات الحياة الواقعية ، وحينما يتكرر الفعل والسلوك مرات كثيرة يصير عادة وحينما تترسخ العادة تصير ثقافة. والوعي لوحده لا يغير حياة البشر وحاجة الناس الى مثُل عليا للسلوك اكثر من حاجتهم الى المواعظ والتعاليم والنصائح. والجماعة السياسية إلى ترغب في قيادة الناس لا تكلمهم عن ذاتها ونواياه فيما سوف تفعله من أجلهم بل عليها فعل ذلك بصمت وبلا ضجيج عبر المؤسسات وليس عبر الأشخاص. والناس هم الذين يقومون بتشكيل مؤسساتهم العامة ثم تقوم هي بتشكيلهم فكيفما كانت مؤسساتهم يكونون ولا سحر في التاريخ ولا مصادفة في الطبيعة. لا الأخلاق ولا المواعظ ولا التقوى ولا الدين ولا الثقافة ولا الحب ولا الانتماء ولا النوايا الطيبة يمكنها أن تصنع النظام في أي مكان أو زمان في هذا العالم. النظام والانضباط هو ابن الدولة والقانون الذي ليس له لا قلب ولا عيون! هو سيد الجمع بلا استثناء. ولا وحدة ولا اتحاد ولا اجتماع ولا اندماج بدون مؤسسة دستورية قانونية جامعة وعادلة ومستقرة إلا في قلوب القوى الناعمة فقط. والناس بدون قانون ومؤسسات وعيونهم الى الأرض أشد فوضى وانحطاط من الحيونات. والأشخاص يأتون ويذهبون بينما المؤسسات هي وحدها التي يمكنها أن تدوم إذا وجدت من يتعهدها بالحفظ والحماية والصون والتنمية. والتنوير بدون تنمية محسوسة وملموسة وفاعلة يظل جهدا مرهقا في بيئة تشكلت مؤسساتها منذ أقدم العصور وثمة فرق شاسع بين فقيه عربي نقلي يستند على مؤسسة سياسية ودينية عمرها ١٤٠٠ عاما وفيلسوف عقلي ليس لديه من سند غير عقله وثقافته الخاصة في سياق تاريخي ثقافي محاط بالجهل والتجهيل من كل الجهات. الاستئناس بقوى العقل والتفكير في بيئة النقل والتكفير يعد مغامرة غير مأمونة العواقب. ومع ذلك ثمة من لديهم الشجاعة لخوض التجربة. وتلك هي وظيفة المثقف العضوي وبين السلاطين ووعظهم علاقة هيمنة ظاهرة وخفية يتم تكريسها منذ أقدم العصور؛ علاقة تتعين شفرتها بلسان حال السلطان على النحو التالي (نحن نحكم الناس بالقهر والطغيان والاستبداد إلى حد جعلهم يكرهون حياتهم) وأنتم -وعاظ السلاطين- عليكم تقديم لهم العزاء والسلوى وايعاظهم بان الحياة الآخرة هي خير وإبقى! وهذا هو سر اندلاع الموجات المتكررة من الحروب الدينية الطائفية التي يندفع اليها الشباب المسلمين برغبة وحماسة منقطعة النظير تحت رايات الجهاد في سبيل الله ومن أجل الفوز بجنات النعيم وبالحور العين.وفي المجتمعات التي تضيق فيها حدود الحرية؛ حرية العقل والضمير تضيق فيها آفاق الخيال والإبداع والتفكير والتعبير فبدلا من اطلاق العنان للعقل والخيال فيما ينبغي أن يكون يرتد اهتمام الناس للتفكير باعضائهم التناسلية وحاجاتهم البيولوجية والبحث عن سبل اشباعها إذ يندر أن تجد فيها أشخاص طبيعيين يتصرفون ببراءة وعفوية بالاتساق مع سجاياهم الحقيقية بل تسود ثقافة وقيم الظاهر والباطن، وتزدهر قيم التكلّف والتزلف والنفاق والمرآءة والمجاملات والكذب والحقد والخيانة والغدر والخديعة والشتم والغيبة والنميمة والحذر وانعدام الثقة والشك والارتياب وسوء الفهم وسوء الظن والفصام وازدواج الشخصية وسرعة التقلب من حال الى حال ، و الجمع بين المتناقضان دون الشعور بالتناقض ، وصعوبة التنبؤ بسلوك الأفراد وردود أفعالهم. ويمكنك تعداد المزيد من القيم السلبية من واقع حياتك اليومية ومعاشرتك للناس في محيطك الاجتماعي وحينما تسود تلك القيم السلبية حياة مجتمع من المجتمعات يصعب أن تجد أحدا من الأفراد غير متأثر بها بهذا القدر أو ذاك .