آخر تحديث :الخميس-19 سبتمبر 2024-09:19ص

نبش ذكريات قديمة بحافز جديد

الثلاثاء - 17 سبتمبر 2024 - الساعة 11:45 م

د. قاسم المحبشي
بقلم: د. قاسم المحبشي
- ارشيف الكاتب


حينما وجدت كارل ماركس في رياض المملكة

خبر مثل هذا بالنسبة لي يعني الكثير والكثير من الدلالات والمعاني. فقد كنت منذ سنوات أبحث عن إشارة مثل هذه في الشقيقة الكبرى. وذات يوم وأنا في الرياض زرت المعرض الدولي للكتاب فوجدت كتاب رأس المال لكارل ماركس في حلة قشيبة، كما وجدت كتاب الوجود والعدم لجان بول سارتر وكتب فلسفية كثيرة أخرى كانت محرمة في زمن مضى. احسست بدهشة مصحوبة بالأمل بأن ثمة كوة ضوء أخذت تنفتح هنا في قلب الجزيرة العربية شيئًا فشيئًا. وكتب حينها منشور احتفائي بما رأيت. قبل خمس سنوات فقط كنت مدعوًا للمشاركة في أعمال المؤتمر الدولي الأول للعلوم الإنسانية في جامعة الملك سعود في الرياض إبريل ٢٠١٥ ولم يكن للفلسفة أثر هناك. وقد حاول عميد كلية الآداب حينها الاستاذ الدكتور المحترم سامي الدامغ وهو خريج أمريكا أن يجد لي فرصة عمل في الكلية بأي طريقة من الطرق واليكم الحكاية:

كانت نقطة الضوء الوحيدة في الرياض هي تلك التي اتتني من عمادة كلية الآداب بجامعة الملك سعود آنذاك. إذ طلبت مني سيرتي العلمية وفِي أقل من ٢٤ ساعة حصلت على قرار التعيين أستاذا في قسم التاريخ لمادة فلسفة التاريخ والحضارة، حينما ناولني الأستاذ الدكتور عميد كلية آداب الرياض القرار الرسمي بتعييني في الجلسة الختامية للمؤتمر، كدت أطير من الفرح! لاسيما وأن لدي تجربة مريرة في متابعة إجراءات التعيين في جامعة عدن الحبيبة، إذ مكثت عشرة أعوام أتابع إجراءات التعيين وجمعت أكثر من (١٥٠٠) مستند بهذا الشأن لازالت تحكي مأساتي مع جامعة عدن الحبيبة. قال لي السيد العميد هذا قرار تعيينك أعتبر نفسك من أعضاء الهيئة التدريسية في الكلية، ودعاني إلى لحضور حفل توديع بعض الزملاء الذين أنهوا الخدمة في ديوان الأساتذة بالجامعة.ذهبت بقرار تعييني وأنّا أكاد أطير من الفرح! إذ كان أجمل قرار سريع غمرني بسعادة بالغة قل أن شعرت بمثلها بحياتي. ويطيب لي هنا أن اشكر الاستاذ الدكتور عميد كلية أداب الرياض أنذاك. إذ لم أنسى له هذا ما حييت! وقد سنح لي المؤتمر الدولي الأول للعلوم الإنسانية فرصة التعرف على نمط مختلف كليا من أنماط الشخصية السعودية الذي وقر في الذاكرة من السرديات الرائجة وحكايات المهاجرين، وهي أنماط شديدة العتامة والسلبية ، على الضد من تلك الصورة النمطية عن السعوديين كانت دهشتي حقيقية حينما تعرفت على نخبة من الأساتذة والاُدباء والكتاب والمثقفين السعوديين، من النمط الرفيع النبل والأخلاق والتواضع والإنسانية فضلا عن الثقافة الرفيعة التي جعلتني أعيد النظر في السعودية والسعوديين على نحو كلي.وخلاصة تجربتي في الرياض كانت متناقضة أشد التناقض؛ إذ أحسست بمكانة وتقدير عالي للذات في الوسط الأكاديمي والثقافي، وبالمقابل شعرت بإهانة بالغة المرارة في الوسط السياسي والأمني، لم أشعر بمثلها في أي بلد عربي أخر ابدا، لا بالإمارات ولا بسلطنة عمان ولا قطر ، أما الدول العربية الأخرى فلا وجه للمقارنة معها أبدا! ومن الأسرار الذي لم أكشف عنها بشأن مؤتمر الجامعة أني أخلقت رواية مصطنعة بررت بها مشاركتي بالمؤتمر العلمي. حينما ادعيت بأنني تحصلت على عشرة الف ريال سعودي مقابل مشاركتي في أعمال المؤتمر الدولي الأول للعلوم الإنسانية في جامعة الرياض، بينما الحقيقة المرة هي أن المؤتمر لم يتكفل إلا بالسكن والمواصلات خلال يومي المؤتمر فقط، ولم يعطي المشاركين غير حقيبة المؤتمر والكتاب الذي جمعت فيه أعمال المؤتمر والأستاذ العزيز الدكتور الأديب الناقد السعودي معجب العدواني رئيس اللجنة العلمية للمؤتمر يشهد بذلك. أما بالنسبة لموضوع تعييني في الهيئة الأكاديمية لكلية الآداب فقد اعترض الوكيل الأول للجامعة ومسؤول مراقبة الكتابات عن المملكة د عبدالله سليمان وأنا لم اكتب عن المملكة أي شيء يسيئ لها أبدًا. فقط سخرت مرة من مزاد علني لكبش سعودي أرسى عليه المزاد بمليون ونصف ريال سعودي! نشرته من باب السخرية فإذا بشخص وهو بالمناسبة أول صديق سعودي لي في الفيسبوك طلب صداقاتي منذ سنوات وعرفني بنفسة طالبًا للدراسات العليا في المجال الصحي وأبدى لي معرفة واسعة جدا بتفاصيل بلادي ومتابعته الدائمة لمنشوراتي منذ بدايات الحراك الجنوبي السلمي. شخص يدعى بدر المالكي حينما نشرت صورة الكبش اشتط غضبًا وتوعد وهدد وعلمت أنه رفع تقريرا بي إلى وكيل جامعة الملك سعود الأول عبدالله سليمان الذي وقف حجرة عثرة في طريق تعييني بكلية الآداب جامعة الملك سعود رغم أن لي قبول في القسم العلمي ومن الكلية. طبعًا الوكيل إياه لم يعلن اعتراضه على قراري القسم والكلية بحجة الكبش. بل تحجج في حجة أنني خريج جامعة بغداد وهي ليست من الجامعات الموصى بها في وزارة التعليم العالي السعودية! وكتب في ذلك رسالة رسمية للكلية ورد عليه العميد برسالة رسمية أخرى طلب في استثنائي من هذا الشرط أسوة بالكثيرين. الحكاية طويلة والوثائق والمتابعات كثيرة ولازلت محتفظًا بكل شيء وقد كتب لي بدر المالكي فيما بعد يقول لي( أن شاءلله قابلت الدكتور عبدالله سليمان وعمل معك الواجب) حظرته ولم ارد عليه أبدًا. وأنا احب الكباش من زمان! لقد كانت لي أسباب الخاصة في إختلاق هذه الرواية عن ثمن المشاركة بالمملكة الجارة الغنية! لاتسعها هذه الشهادة. على كل حال ذهبت بعدها وانّا ممتلى الثقة بنفسي إلى فندق الشرعية اليمنية في شارع العليا، فندق رانسيس الشهير، هناك وجدت كل متعاطي وممتهني السياسة اليمنية وزراء ورؤوساء الأحزاب ومشايخ وسلاطين وقادة معسكرات وفرق عسكرية وأعضاء مجلس النواب ومجلس الشورى ومستشارين ومرافقيهم من الذكور والإناث اليمنيات من أصغرهم إلى أكبرهم، من اليدومي إلى الاندومي! وكتبت قصيدتي في فندق الفيصلية بعنوان : وجدتهم هنا ولم أجد الضحايا!