آخر تحديث :الأربعاء-27 نوفمبر 2024-03:01ص

النشيد الوطني.. النشأة والمسار (26 ــ 30)

الإثنين - 07 أكتوبر 2024 - الساعة 01:38 ص

د. ثابت الأحمدي
بقلم: د. ثابت الأحمدي
- ارشيف الكاتب


‏لافتات سبتمبرية


كتبَ البردوني فصلا خاصًا عن النشيد الوطني في كتابه الثقافة والثورة في اليمن، متتبعًا الجذور الأولى للأناشيد الجماعية للأمم والشعوب في التاريخ القديم وحتى اليوم؛ مشيرًا إلى أنّ النشيدَ الوطني اليوم لأي دولة من الدول امتدادٌ لأناشيد القدماء وأهازيجهم الجمعيّة الشعبية التي تُعبر عن روح الأمة.

في اليمن، وفي القرن العشرين تحديدًا، كانت أنشودة "شمائل الهدى" هي النشيد الوطني الرسمي للمملكة المتوكلية اليمنية الذي نشأ أُثناء حكم الإمام يحيى حميدالدين. ومطلعها:

شمائل الهدى

تنير حكمة الوطن


وكان طلبة المدرسة في صنعاء يؤدونها يوميا، كما كانوا يرددونها أثناء زيارة أي مسؤول للمدرسة أمامه. ثم بعد ذلك أضيف إلى الكلمات واللحن الموسيقى النحاسية، فكان الجيش يؤديها عند استعراض الإمام له كل جمعة، كما كانت إذاعة الإمام تفتتح بها برامجها كل يوم.

وظل هذا النشيد حتى قيام الثورة الدستورية عام 1948م، حيث ألّف الشاعر محمد المسمري أنشودة "عصر النور" عقب قيامها مباشرة، ومنها:

أيها النشءُ اليماني دمتَ رمزًا للخلود

هَللِ اليوم وكبّر قد مضى عصر الجمود

وهي على ذات الوزن والإيقاع لأنشودة: طلع البدر علينا" التي استقبل بها أهل يثرب محمدا صلى الله عليه وسلم في المدينة.

وتم تغيير هذا النشيد بعد أيام قليلة، حيث اقترح بعض الثوار استبداله بنشيد آخر، عنوانه: "نور الهدى"، ومطلعه:

باسمك اللهم أقسمنا اليمين

قسم القوة والعزم المتين

إننا شعب على الحق أمين

ربنا فاكتب لنا النصر الأمين


وقد انتهى هذا النشيد بانتهاء دولة الدستور نفسها، في أقل من شهرٍ واحد؛ حيث انقلب أحمد حميدالدين على الدولة الجديدة، وأعاد النشيد الأسبق" "شمائل الهدى". وظل هذا النشيد حتى قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م في شمال الوطن.

عقب قيام الثورة اختار الثوار في إذاعة صنعاء أنشودة الفنان المصري محمد عبدالوهاب نشيدا وطنيا لهم، ومطلعها:

يا إلهي انتصرنا بقدرتك

وفي جهادنا استعنا برحمتك

واعتمدنا وضربنا بقوتك

واتّحدنا وسجدنا لنعمتك

يا إلهي، يا إلهي الحمد لك والشكر لك.


لقد ظلت هذه الأنشودة هي السلام والنشيد الجمهوري للجمهورية العربية اليمنية من 62م حتى العام 1979م، ففي هذا العام كتب الجمهوريون أول نشيدٍ وطني لهم، بعنوان "قسما بربّ العزة"، وكانت من اقتراح الدكتور عبدالعزيز المقالح؛ أما الكلمات فمن كلمات الشاعر أحمد العمّاري، وألحان الفنان علي بن علي الآنسي، ومطلعها:

في ظل راية ثورتي

أعلنت جمهوريتي

في ظل راية ثورتي

أهبُ الحياة لأمتي

هيهات شعبي يستكين

شعبي محا ظلم السنين

وأباد كل المجرمين

ليعيشَ مرفوع الجبين


ولمن لم يعرف فالشاعر أحمد العماري من مواليد 1939م، يريم، إب، وممن ارتبطوا بالحركة الإسلامية مبكرًا، وقد التحق بالإذاعة في العام 1955م، إبان حكم الإمام أحمد، وعمل فيها حتى تقاعده عام 98م، قبل أن يتوفى في العام 2003م". وكان ممن شارك في ثورة 1962م، وشارك في صد حصار صنعاء من خلال برامجه الإذاعية وأغانيه الوطنية التي غناها الفنان أحمد الآنسي والحارثي والثلاثي الكوكباني. واشتهر مؤخرا بإعداده برنامج "فتاوى" الذي كان يقدمه زميله عزالدين تقي. وقد ظل الشاعر المذكور في صراع حاد مع بقايا الفلول الإمامية داخل صنعاء حتى وقتٍ متأخر، ولمعرفتهم بالاتجاه الفكري للشاعر العماري فقد كانوا يصمونه تارة بالوهابية، وتارة بأنه عميل للمملكة العربية السعودية؛ لذا حين تقاعد استبدلوه بإمامي من خارج الإذاعة، بقي ممسكا بالمنصب شكليا دون تفعيل كما كان سابقا؛ وشهد العام 2000م شبه تصفية داخلية لغير الإماميين من الإدارات المهمة في إذاعة صنعاء.


ووفقا لمصدر خاص من أحد زملائه في إذاعة صنعاء سابقا، قال: إنّ أول نسخة من النشيد كانت هكذا: "في ظل راية أمتي" فاقترح عليه البعضُ أن يتم تعديلها إلى ما هي عليه الآن، فأبدى رفضه أولا، لكنه رضخ بعد ذلك، لواقعية المقترح، ونظرًا لخصوصية الحالة. والواقع أنه متأثر بطبيعة الأدبيات الإسلامويّة آنذاك، والتي يحتل مفهوم "الأمة" أهمية كبيرة في ثقافة الرعيل الأول منهم.


والشّيء بالشّيء يُذكر ويُذكّر، ففي كتاب "الأناشيد" الذي طبعته المعاهد العلميّة، وكان يوزع على فرقة الأناشيد المعهدية كانت أنشودة الترحيب "شبه الرسمية" التي يرددها الطلاب في الاحتفالات على ذات الوزن والإيقاع، للشاعر محمد علي عجلان، وقد سأل كاتبُ هذه السطور الشيخ المذكور عن سر اختياره لهذا اللون من الوزن، فأفاد أنّ الأمر غير متعمد، وأنه لا يعدو "وقع الحافر على الحافر"، لا أكثر.

وربما أراد الشّاعر صناعة نص إنشادي موازٍ للنص الشعري من حيث اللحن والإيقاع، والتخلص من الموسيقى المصاحبة؛ لأنهم كانوا يحرمون الموسيقى آنذاك، ويرتابون من الفنون بشكل عام، وعادة ما كانوا يعارضون العمل الفني المصحوب بالموسيقى بما يشبهه تماما من إنتاجهم، عدا الموسيقى، حتى وقت قريب، ومطلع هذه الأنشودة:

يا مرحبا بمن وصل

على الرؤوس والمقل

قلوبنا هي المحل

وهي فسيح المقعد

وفيه أيضا:

لله ما أحلى اللقاء

على الإخاء والتقى

على الصفاء والنقا

والمنهج الموحــد


أما النشيد المعروف اليوم بكلمات الفضول وألحان أيوب طارش، ومطلعه:

رددي أيتها نشيدي

ردديه وأعيدي وأعيدي

فقد كتبه الشاعر عبدالله عبدالوهاب نعمان، في منتصف العام 1976م، وسلم النص لقائد المظلات آنذاك عبدالله عبدالعالم، لتلحينه وتقديمه في العيد الوطني في تلك السنة، حسب رواية الفنان أيوب طارش عبسي؛ أما الفنان أحمد السنيدار فيذكر رواية أخرى مفادها أن الشاعر نظمها وسلمها له في العام 1974م، فقام بتلحينها وأدائها في إذاعة وتلفزيون صنعاء، كما سجلها وأداها في إذاعة وتلفزيون عدن أيضًا، وشارك بها في الكويت بمناسبة احتفال بلادنا بعيد 26 سبتمبر آنذاك. "توجد نسخة صوتية منها على يوتيوب".


وفيما يتعلقُ بالنشيد الوطني جنوب اليمن، تذكر بعضُ الروايات أن مجلس الشعب في عدن قد اتخذ عام 1977م قرارا باختيار قصيدة "رددي أيتها الدنيا نشيدي" شعر عبدالله عبدالوهاب نعمان نشيدًا وطنيًا، بدلا عن نشيد الجبهة القومية. وظل نشيد الشطر الجنوبي من الوطن حتى العام 1990م.

في العام 1990م اتفق طرفا الوحدة على هذا النشيد، مع إدخال تعديل طفيف عليه، متمثل في اختيار كلمة: "سرمديا" بدلا عن كلمة "أمميا" في البيت:

عشتُ إيماني وحبي أمميا

ومسيري فوق دربي عربيا


وجاء هذا الاستبدال نظرا لحساسية لفظة "أمميا" عند الإسلاميين الذي كانوا وراء هذا التغيير، وذلك لاقتران كلمة "الأممية" بالشيوعية آنذاك، مع أنها أبلغ وأصح إذا ما نظرنا إلى السياق الكلي للنص.

في العام 2006م صدر قرار جمهوري بإعادة اللفظة كما كانت عليه سابقا في النص الأصلي الأول. "عشتُ إيماني وحبي أمميا".

هذه مسيرة النشيد الوطني اليمني في القرن العشرين، وما أحوجنا لتمثل مضامينه الوطنية والعروبية، خاصة اليوم مع تسلل جماعة الحوثي الإمامية البغيضة ومحاولتها تقويض مضامين روح سبتمبر والقضاء عليها.

د. ثابت الأحمدي