أثبتت الثورات العظيمة كيف تصنع البطولات الخالدة من واقع ضحل ، وكيف تُفرض الانتصارات رغمًا عن الهزائم، وكيف توهب الحياة من براثن الموت، وكيف تُخلَّد الانجازات رغمًا عن زمن ملئ بالتشوهات وبالزبد الرث، إنما ما يبقى هو ما ينفع الناس والأمم.
هكذا كانت ثورة سبتمبر، ومن بعدها أكتوبر ،رديفتها في النضال والكفاح والتي تعد امتدادًا لها ولمبادئها التحررية النضالية.
فلا نكاد نذكر ثورة الـ 26 من سبتمبر الخالدة، إلا ونتبعها بذِكر ثورة الـ 14 من اكتوبر المجيدة .. ولا نكاد نتطرق لمنجزات وبطولات 26 سبتمبر، إلا ونقرنها بأمجاد و نضالات 14 اكتوبر..ولا نكتب عن سبتمبر إلا وتسبقنا الحروف للحديث عن أكتوبر.
ثورتان رديفتان، كل منهما تُكمِّل الأخرى ، يسردان للتاريخ كيف تُصنعُ البطولات، و كيف تُكسرُ القيود و الأغلال إذا الشعب يومًا أراد الحياة والانعتاق، وكيف يولد الشموخ والإباء ليجتث ركام الذل والعبودية.
هذا الترادف الثوري العظيم لثورتيّ سبتمبر وأكتوبر، له دلالات جلية المعالم، ويثبت أن ثورة سبتمبر هي الثورة الأم و لبنة التحرر الأولى، وأن ثورة أكتوبر هي إمتداد حقيقي لها، و انتصار لمبادئها الثورية..
فعام واحد هو الفاصل بينهما، إلا ان ما جمعهما أهداف كثيرة مشتركة أهمها التحرر من كهنوت الإمامة البغيضة في الشمال، و استبداد الاستعمار الأجنبي في الجنوب.
لم تكونا ثورتان عابرتان، او وليدتا فكرة لحظية ، بل اشتركتا بعوامل تكوينية واحدة و كانتا نتاجًا لتراكمات سنين طويلة من القمع. ورغم اختلاف النظامين بين الشطرين آنذاك، إلا أن معاناة الشعبين تشابهت وجعلت منهما مطلبًا شعبيًا مُلحًا.
فاتحدت مظاهر الثورتين، وكانتا بإجماع كل المكونات وفئات الشعب بكل مشاربه واتجاهاته وبالتالي أثبتتا واحدية الثورة اليمنية والنضال اليمني في الشطرين الشمالي والجنوبي،آنذاك، و كُتب لهما الانعتاق من براثن الاستعباد، وسطرتا أنصع صفحات البطولة، وكُتب نضالهما بماء الذهب على صفحات التاريخ، وستظل الأجيال اللاحقة تفخر بهما وتروي للزمان حكاية وطن وشعب خرج من زنازين الظلمات إلى آفاق التحرر والبناء، وتوجتا بأعظم انتصار تاريخي، "الوحدة اليمنية" في 22 من مايو 1990م،
أيها التاريج سجّل " أنا يمني ".