آخر تحديث :الأحد-20 أكتوبر 2024-01:48ص

السنوار.. من جزار خان يونس الى قتيل تل السلطان

الأحد - 20 أكتوبر 2024 - الساعة 01:29 ص

حسين الوادعي
بقلم: حسين الوادعي
- ارشيف الكاتب


كان السنوار في جوهرها رغم عدم ذكر اسمه.

مقابلة تلفزيونية قديمة أجراها أحمد منصور مع احمد ياسين زعيم حماس الأسبق. تحدث ياسين في المقابلة بفخر عن طريقتهم في اصطياد "العملاء" . والعملاء حسب ما نفهم من المقابلة هم طيف واسع من المواطنين الفلسطينيين المختلفين مع حماس.

الى جانب أهمية المقابلة في كشف جرائم حماس-السنوار ضد الفلسطينيين، فهي تصلح كدراسة سريرية لحالة السيكوباثية (الاعتلال النفسي) وكيف تتأثر المجتمعات بتزعم الشخصيات المعادية للمجتمع لحركات مسلحة.


تحدث ياسين بفخر عن قيامهم باختطاف وتعذيب وقتل ودفن من سماهم بالعملاء. أول هولاء كان عامل بقالة بسيط في خان يونس اتهمته حماس بإدخال نساء الى بقالته وممارسة الفاحشة. وعندما سأله احمد منصور عن علاقته باسرائيل كان جواب أحمد ياسين: ان هذا الشخص "اسقط" النساء وان هذا لا بد ان يكون بأمر من اسرائيل لتجنيدهن!

لم تثبت أي تهمة تخابر على الضحية المسكينة لكن هذا لم يمنع حماس من تعذيبه وقتله ودفنه سرا.


من هنا بدأت تظهر سمعة السنوار، الرجل خلف الجهاز الامني السري لحماس ومهندس عملية تحويل الفلسطينيين الابرياء الى "عملاء" ثم تصفيتهم وإخفائهم.

وحصل على اللقب الذي سيلازمه "جزار خان يونس".


كما سنرى، بالنسبة للسنوار؛ المعركة هي معركة ضد الفلسطيني أولا!


الحالة الثانية التي ذكرها آحمد ياسين هي لمدرس فلسطيني ترك التدريس وأنشأ فرقة للرقص والغناء في غزة. ومرة أخرى لم بقدم ياسين أي دليل على التخابر، وظلت التهمة الاخلاقية هي ممارسة الزنا و "اسقاط" النساء من اجل تجنيدهن. اختفت جثة الضحية الثانية ايضاً وبدات تظهر سمعة جهاز الإخفاء الحمساوي وقائده يحيى السنوار. من يقع في يد السنوار يتبخر، وحتى عائلته لا تعرف مصيره!


اتسعت معايير "العمالة" وحالاتها. لم تعد فقط العمالة لاسرائيل. فقد اختطف الجهاز الامني الذي اصبح اسمه "مجد" مواطنين بتهمة العمالة لفتح أو للجهاد الاسلامي او للجبهة الشعبية. ثم صار الجهاز يراقب اعضاء حماس نفسهم ويختطفهم ويصفيهم!


صار النضال بالنسبة للسنوار يمر عبر جثة الفلسطيني المشكوك فيه! والكل مشكوك فيهم من صاحب الدكان البسيط في غزة وحتى القائد القسامي محمود شتيوي!


كيف أصبح السنوار مهووسا بتخوين الداخل أكثر من قتال الخارج؟ وكيف كان يرى في كل شخص جاسوسا حتى يثبت العكس (في حالة انه لم يعترف تحت التعذيب)!


نقطة التحول المحور كان اعتقاله من قبل اسرائيل عام 1982. بعد تجربة الاعتقال القصيرة عاد بفكر مهووس باكتشاف العملاء من الداخل وأسس الجهاز الامني، وكان احمد ياسين مصدقا ومؤمنا مخلصا بكل ممارساته.

ضاقت دائرة العنف لتنتقل من الفلسطيني الخارجي الى الفلسطيني الداخلي (اعضاء حماس) مثل تصفية الناطق الاعلامي لحماس أيمن طه والقائد القسامي محمد شتيوي الذي سيموت من التعذيب بأوامر السنوار وسيتم تغطية الجريمة باتهامه بممارسة الل….ط.


هكذا تكونت شخصية السنوار السيكوباثية: الغرور، السطحية في فهم الأحداث لكن مع ثقة فائقة في النفس، الميل للعنف والجريمة، انعدام التعاطف تجاه الآخرين أو الاحساس بمعاناتهم، والسلوك المعادي للمجتمع.

هذه هي الخصائص التي قادته لسبعة اكتوبر ورفض أي حلول تقي الغزاويين شر الموت المجاني، ولامبالاته بمعاناة الغزاويين حتى آخر لحظة.


لكن هذه ليست نهاية القصة أو نهاية تكوين الشخصية.

دخل السنوار السجن عام 1989 بتهمة خطف وتعذيب وقتل أربعة فلسطينيين.

داخل السجن أعاد تقسيم المساجين الى مخلصين وعملاء .

كانت سجون اسرائيل مليئة بمئات الفلسطينيين الذين قرروا المقاومة بطرق مختلفة. لكن بالنسبة للسنوار حتى ضمن المقاومين الذين دفعوا ثمنا غاليا من حرياتهم وحياتهم هناك خائن وعميل. شكل نظامه الأمني الخاص داخل السجن، وحرض السجناء على الاعتداء على من يراهم عملاء.

مرة اخرى كانت المعركة بالنسبة له هي معركة ضد الفلسطيني أولا.

ومن داخل السجن استمر في اصدار الاوامر لجهاز حماس لتنفيذ عمليات الاختطاف والتصفية ضد من يشك فيهم في غزة.


ليس هذا غريبا. فمعركة حماس كانت ضد الفسطيني أولا. وهي ظهرت كحركة نقيضا ل"علمانية" حركة فتح وسعيها نحو حل القضية بالسياسة والتفاوض.

بعد اتفاق أوسلو أصبحت قضية حماس اسقاط اوسلو وحل الدولتين. وكان صعود السنوار مرتبطا بإعادة ترتيب أولويات حماس لتصبح المعركة ضد الداخل الفلسطيني (فتح) هي الاولوية.

ومع انقلاب حماس على السلطة في 2007 صارت ايديولوجية السنوار "أولوية العدو الفلسطيني" هي المسيطرة، ويعد خروجه في السجن في صفقة جلعاد شاليط نقطة الذروة في توجيه البنادق ضد الداخل.


سيقوم تحالف موضوعي بين السنوار ونتنياهو هدفه اسقاط اوسلو واسقاط الحلول السلمية وإضعاف السلطة. وستتحول غزة الى معتقل كبير وبيت رعب لممارسات "مجد".


لاحظت هيومن وايتس ووتش وأمنستي أنترناشيونال نفس السيناريو .!

تطلق حماس صواريخها على اسرائيل، وترد اسرائيل بالقصف، وساعتها يبدأ الجهاز الأمني لحركة حماس باعتقالات واسعة للقيض على "العملاء" وتصفيتهم.

في خضم القصف الاسرائيلي لا تنشغل حماس بالرد ولا بحماية المدنيين وانما بتصفية المزيد من الفلسطينيين داخل غزة.

قبل اجتياح اسرائيل لغزة في 2023 كان الجهاز الأمني للسنوار قد قتل غزاويين اكثر من الذين قتلتهم اسرائيل.

قتلهم بالخنق، وباطلاق الرصاص، وبالدفن أخياء، وبالرمي من اسطح البنايات، وباعدام الجرحي داخل غرف العمليات، وبتصفيتهم أمام زوجاتهم وأولادهم.


قرار سبعه اكتوبر وتداعياته كان خلاصة شخصية السنوار وسيكوباثيته. هل تتذكرون صفات الشخص السيكوباثي في بداية المقال؟

غرور بأنه قادر على تغيير المعادلة في عملية خاطفة. سطحية في قراءة الأحداث وتداعياتها. ثقة مطلقة بالنفس لانخاذ قرار انتحاري حتى دون استشارة قيادات الحركة. والأسوأ غياب الحس الانساني والتعاطف مع ضحايا مغامراته من الغزاويين.

تدمير 80% من القطاع ومقتل 180 الف بسبب الحرب والامراض لم تكن عنده شيئا يذكر، ولا حتى حركت فيه شعرة احساس بالذنب.


تسبب في تدمير غرة ولبنان، وفي مقتل رفاقه ومسانديه من هنيه الى نصر الله، دون أن يشعر لخطأ قراره. لا يملك السيكوباثي شيئا اسمه الاحساس بالذنب.


ثم انتهى نهاية متوقعة!

غاب عن أذهان الكثيرين ان السنوار لم يلق خطابا صوتيا أو مرئيا منذ 7 اكتوبر.

لقد اختفى في الأنفاق دون أي جهاز الكتروني حتى لا تكشفه اسرائيل وتغتاله. كان لا بد له أن يصبح معزولا عن حركته وعن عملياتها طوال سنة كاملة حتى النهاية.

لا اتصالات، لا توجيهات، لا أوامر. وأن يتنقل من نفق إلى نفق ومن منزل الى آخر خوفا على حياته.

القاعدة الاساسية للميليشيات على النمط الايراني هي الحفاظ على حياة القائد مهما كان الثمن.


تخلت حراسة السنوار عن استخدام الرهائن كدروع بشرية لان التواجد الكثيف قد يكون مؤشرا يكشف مكانه ويعرضه للقصف الاسرائيلي.

حتى اختياره خلفا لهنيه كان اختيارا مراوغا لان القائد الفعلي هو خالد مشعل، لكن تجنبا لاغتيال مشعل كان الأفضل توجيه الانظار نحوه باعتباره "ميتا يمشي على قدمين".

كان قد مات سياسيا بالفشل الكارثي لمغامرته، وعسكريا بانهيار حركته ومقتل كل قادتها واغلب اعضائها، وأخلاقيا بلعنات أهالي غزة وحرقتهم وكراهيتهم لمن تسبب في كل هذا.


اضطر للخروج من الانفاق بعد اكتشاف كامل خرائطها. وعلق داخل رفح بعد ان طوقت اسرائيل كامل المنطقة عسكريا.

لم يجرؤ حتى على الاختباء بين مواطنيه. قضي أيامه الاخيره متنقلا من مخبأ الى آخر داخل منازل تل السلطان شبه المهدمة.

انقطعت اتصالاته بحركته. لم يكن يقاتل دفاعا عن غزة بل كان هاربا بروحه يدافع عن نفسه فقط. تم قصف المنزل الذي كان يختبيء فيه فخرج منه مغطى بالأنربة وجريحا في يده اليمنى وركبته اليسرى. اختبأ في منزل آخر شبه مهدم، وحيدا ومعزولا ونازفا بكثافة وغير قادر على الحركة.

اكتشفته مسيرة اسرائيلية فقصفت المنزل ليموت متأثرا من انهيار الاسمنت على رأسه.

لم تعرف حماس بمقتله. فلا أحد يهتم بميت يمشي على قدمين في معركة حياة أو موت.

لو لم يكتشفه الجندي الاسرائيلي لمات وتحللت جثته دون أن يعرف عنه أحد شيئا.

إنها أسوأ ميتة يمكن أن يموتها قائد، حتى لو كان قائد ميليشيا.


أعود الى مقابلة احمد منصور مع احمد ياسين.

كان ياسين يتفاخر بقتل الفلسطينيين الذين "ارتكبوا الزنا"، والمذيع يطأطأ رأسه بخنوع كصبي بليد يجلس بخشوع أمام معلمه.

يصبح أحمد منصور ناقدا ومتوحشا في مواجهة الضيوف الذين يختلف معهم فقط.

يتهدج صوت ياسين وهو يصف تعذيب وقتل الفلسطينيين، وتنتقل حالة الهيجان السيكوباثي الى احمد منصور فيتهدج صوته هو الاخر وتلمع عيناه ويزداد خضوع صوته. لم يذكروا اسم السنوار، لكن السنوار كان خلف كل الجرائم التي يحتفي بها زعيم معتل نفسيا علنا وعلى التلفزيون بمباركة مذيع أعمته ايديولوجيا الموت والانتقام.


وخلف الشاشة كان هناك شعب بأكمله في غزة يسير نحو موت لا يتوقعه، على أيدي شخصيات لا تشعر بالذنب.

عندما قتل نصر الله، قال كثير ممن يدافعون السوم عن السنوار أن قتل نصر الله "عدالة قذرة" للضحايا في مجتمعات لا تتحقق فيها العدالة القانونية.

فهل مقتلة السنوار نموذج إخر لهذه العدالة المنقوصة؟؟


من صفحة الكاتب على موقع فيس بوك