آخر تحديث :الأحد-22 ديسمبر 2024-02:10ص

سعر الصرف العادل للدولار الأمريكي والمضاربة

الثلاثاء - 22 أكتوبر 2024 - الساعة 01:55 ص

وحيد الفودعي
بقلم: وحيد الفودعي
- ارشيف الكاتب


سعر الصرف العادل للدولار الأمريكي، وفق تقدير دقيق باستخدام نموذج SARIMAX الكامل وبناءً على بيانات تاريخية تمتد لـ 103شهرًا عبر أكثر من 8 سنوات، يُفترض أن يصل في نهاية شهر أكتوبر من هذا العام إلى 1716 ريال/ دولار. هذا الرقم يأخذ بعين الاعتبار الظروف الاقتصادية والسياسية التي شهدها عام 2024، والتي أسهمت بشكل مباشر في تفاقم الأزمات وارتفاع سعر الصرف إلى هذه المستويات.


بينما لو استمرت الظروف التي سادت خلال عام 2022 وجزء من عام 2023، والتي كانت تتسم بنوع من الاستقرار النسبي مقارنةً بالوضع الحالي، كان من المفترض أن يكون سعر الصرف اليوم حوالي 1540 ريال/ دولار، وفقًا لنفس النموذج التقديري. هذا يعكس كيف انزلقت الأوضاع نحو الأسوأ بسبب التدهور الاقتصادي المتزايد والجمود السياسي، حيث تجاوز سعر صرف الدولار في السوق اليوم 2000 ريال/ دولار.


أما إذا استمرت الأوضاع الراهنة، التي تفاقمت منذ نهاية عام 2023 وحتى الآن، دون أي تغيير، خصوصاً مع استمرار توقف صادرات النفط، فمن المتوقع أن يصل سعر صرف الدولار إلى 2067 ريال/ دولار بحلول نهاية هذا العام. هذا السيناريو يُظهر حجم التحديات التي تواجه الاقتصاد الوطني في ظل غياب استجابة حكومية فعّالة أو حلول جذرية لمواجهة هذه الأزمات.


ما يجب أن يكون بفعل العوامل الاقتصادية هو سعر صرف 1716 ريال/ دولار، وما هو كائن الآن بتجاوزه 2000 ريال/ دولار، يُعد بمثابة جرس إنذار لصناع القرار. ما يحدث لسعر الصرف ليس فقط نتيجة لظروف اقتصادية حقيقية، سواء كانت مالية أو نقدية، بل يُظهر أن التأثير الأكبر جاء بفعل المضاربة بالعملة من قبل تجار الأزمات والفاسدين وغاسلي الأموال.


عندما نقول إن سعر الصرف العادل يجب أن يكون 1716، لا يعني ذلك بأي حال من الأحوال أن هذا السعر مقبول أو أن المواطن، الذي أصبح راتبه لا يتجاوز 50 دولار، قادر على تحمل تبعاته وآثاره. إنما يعني ذلك لبيان أثر المضاربة الحاصلة في سوق الصرف، حيث أن المضاربين هم من يدفعون الأسعار إلى هذه المستويات غير المقبولة.


إن استمرار هذا التدهور دون تدخل عاجل وفعّال سيؤدي إلى انهيار أوسع في سعر العملة، مما سيزيد من الأعباء على المواطنين والاقتصاد اليمني بشكل غير مسبوق. غياب التدخل الحكومي والتقاعس عن اتخاذ الإجراءات اللازمة قد يهدد مستقبل البلاد المالي ويقود إلى عواقب وخيمة على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.


لذلك، يجب على الحكومة أن تبادر إلى اتخاذ قرارات حاسمة، سواء كانت أمنية ضد المضاربين بالعملة أو اقتصادية مالية، إلى جانب سياسات نقدية صارمة لوقف هذا النزيف الحاصل في قيمة العملة الوطنية. الإصلاحات المالية والتنسيق مع الجهات الاقتصادية الدولية، بالإضافة إلى تحسين المناخ الاستثماري وتفعيل آليات الرقابة المالية، باتت أمورًا لا تحتمل التأجيل. إنقاذ الاقتصاد من هذه الأزمة يتطلب إرادة سياسية قوية وخطوات مدروسة، وإلا فإن الكارثة ستكون لا مفر منها.


وفي هذا السياق، لا يمكن إغفال أهمية الدعم العاجل من الأشقاء في دول الجوار، سواءً من خلال مساعدات اقتصادية مباشرة أو ودائع مالية لدعم احتياطات البنك المركزي. وإن كان هناك قيود أو تأخير في التعهدات السابقة المقدمة من المملكة العربية السعودية والإمارات، فيجب معالجة ذلك من خلال التفاوض مع الحكومة اليمنية والبنك المركزي. مثل هذا الدعم سيكون بمثابة طوق نجاة للاقتصاد الوطني، وسيسهم في استقرار سعر الصرف على المدى القريب، ويمنح الحكومة فرصة لتنفيذ الإصلاحات الضرورية. الأوضاع الراهنة تستدعي تكاتف الجهود الإقليمية لإعادة التوازن للاقتصاد اليمني، فاستمرار التدهور الاقتصادي لن يؤثر فقط على الداخل اليمني، بل سيمتد تأثيره إلى المنطقة بأسرها.


أخيرا، من الضروري الإشارة إلى أهمية استخدام نماذج تحليلية متقدمة في تقدير سعر الصرف العادل في السوق، التي تعتمد على بيانات تاريخية وتحليل شامل للعوامل المؤثرة. الاعتماد على مثل هذه الأدوات يتيح تقديرًا دقيقًا للأسعار ويمنع ترك السوق عرضة للتلاعب من قبل المضاربين. في ظل غياب التدخل المستند إلى التحليل العلمي، يترك المجال واسعًا للمضاربين على العملة لتوجيه الأسعار بناءً على مصالحهم الشخصية، مما يؤدي إلى تقلبات حادة في سعر الصرف، ويزيد من عدم الاستقرار الاقتصادي.


لذلك، ينبغي على الحكومة وصناع القرار بضرورة الاستثمار في بناء فرق متخصصة في التحليل الاقتصادي باستخدام نماذج رياضية متقدمة، لضبط سياسات العملة ووضع استراتيجيات مستدامة قادرة على إدارة تقلبات السوق. كما أن تفعيل دور الجهات الرقابية وتحديث أدوات التحليل المالي سيسهم في الحد من هيمنة المضاربين على السوق، ويعزز الشفافية والعدالة في تسعير العملة. بهذا الشكل، يمكن تحقيق استقرار حقيقي ومستدام لسعر الصرف، بما ينعكس إيجابًا على الاقتصاد والمواطنين على حد سواء.


وحيد الفودعي