متعب جدا اعادة طباعة مقال ورقي قديم في الكمبيوتر . يومان بلياليها ونحن نعم على اعادة طباعته وترميمه. شكرا لكل من ساعدني في ذلك
واليكم حكايته وعنوانه
الثورة عند درجة الصفر.. من الإمام البدر إلى الامام بدر ؟!
كتبته بإسم مستعار ( ماجد القاسمي ) حينما لم يكن أحد يجرؤ عن الكلام في صفحة التجمع اليمني مع أستاذ الأجيال الدكتور أبوبكر السقاف الذي نشر في ذات العدد مقالا عن (الحرب) التي تمخضت عن نتائجها في الصفحة الأخيرة بتاريخ ٢٦ مارس ٢٠٠٧م رحم الله شهداء الجيش المصري الذين قضوا نحبهم في الدفاع عنها وتمكينها ولكنها خذلت الجميع أو خذلها من غنمها. ويرتبط الشأن السياسي للناس بحاجتهم إلى العيش المشترك في مؤسسة مدنية منظمة بالدستور والقانون وفقا لمبدأ قوة الحق لا حق القوة. وقوة الحق تعني أن لكل مواطن يعيش في مجتمع سياسي حق متساوي بالأهلية والقيمة والجدارة مع اشباهه من المواطنين بغض النظر عن مواقفه واتجاهاته الايديولوجية فالوجود السياسي للناس هو الأمر الجوهري في تأسس الدولة الوطنية العامة ولا شأن له بالشعارات والرايات والأسماء والصفات الايديولوجية المختلقة التي يطلقها الناس على انفسهم والآخرين من قبيل؛ وطني وغير وطني جمهوري وغير جمهوري وحدوي وانفصالي الرعاة والرعايا السادة والعبيد ..الخ تلك هي فقاعات تتصل باللعبة السياسية المفترضة بعد تأسيس المجال السياسي الذي كان يجيب أن يحتوي كل المواطنين على درجة متساوية من القيمة والجدارة والأهلية ولا فضل لاحد على أحد في ذلك ابدا فالمواطنة حق وليست مكرمة والعيش المشترك في دولة جامعة للمواطنين القاطنين على الأرض المتعينة لا يتحدد بانتماءاتهم الايديولوجية ومواقفهم السياسية والسؤال ليس هو من هو الوطني ومن هو غير الوطني؟ بل هو كيف يمكن للمواطنين أن يعيشوا في وطنهم بكرامة وأمن وسلام؟ وبدون هذا التمييز الدقيق بين السياسي والسياسة تضيع الشعوب والأوطان والحالة اليمنية شاهد حال ومآل. فمن هو الوطني اليوم في اليمن ومن هو الوحدوي ومن هو الجمهوري ومن هو اليمني الأصيل ؟! اسئلة تتصل بالسياسية بعد خراب البيت السياسي الجامع ومن ثم فلا قيمة لها ولا اهمية ولا يمكنها أن تساعد على لملمة الأزمة وجمع الشتات وتدبير الحياة المشتركة للجميع في دولة ذات سيادة. ربما كانت الوحدة اليمنية فرصة سانحة لتمكين المشترك السياسي اليمني بين الجنوب والشمال وبسبب قصر نظر القوى التقليدية المهيمنة تحولت إلى حرب غاشمة ثم تناسلت إلى ما نراه اليوم من سقوط الجمهورية والدولة والسيادة وعودة الملكية الإمامة وضياع الوحدة وتمزق البلاد والعباد والارتهان إلى أيدي قوى خارجية. واليكم نص المقال بعد إعادة طباعته وترميمه👇🏾
حرب صعدة؛الثورة عند درجة الصفر !
من الإمام بدر إلي الإمام البدر
(إذالم تتحول الثورة إلى مشروع دولة وطنية عادلة حيث تستقر (نحن الكبرى)الشعب فإنها سوف تتفكك لا محالة)
مهماحاولنا التماس الذرائع والمبررات والأسباب فإن ما يحدث في صعدة منذ ثلاث سنوات يعد كارثة وطنية ومآساة إنسانية وفضيحة سياسية للجمهورية اليمنية وليس هناك ما هو أسهل من إطلاق النعوت والأوصاف على المخالفين تمهيداً لتصفيتهم أو إقصاءهم من السلطة وخيراتها إذ أن الصراع على السلطة قد شكل العامل الأساسي في الصراع بين العصبيات والقوى التقليدية المتنازعة على الاستئثار بعناصر وأدوات القوة ، السلطة والحكم والثروة والأرض والعقيدة والهوية وكل فرص العيش الممكنة. وفي سياق ذلك المحور الملتهب للعصبية بمعناه الخلدوني كان ومازال يجري توظيف الدين والطائفية لاسيما في الشمال ولأن اليمن بلد فقير وإمكانياته محدودة جدا فإن الحصول على الثروة قد تطلب أن يقوم على قهر وسلب الفئات المنتجة وحرمان الفئات الضعيفة والمهمشة، وبهذا أصبحت (السلطة) تسلطية عنفية تستخدم أداة للقهر والظلم والحرمان وبؤرة للصراع الدائم غير أن بناء وتأسيس الدول لا يقوم ولا يدوم إلا على أساس الشراكة المجتمعية التي تقوم على قوة الحق؛ حق كل مواطن في أرضه ووطنه بغض النظر عن مواقفه واتجاهاته السياسية والأيديولوجية، والدين لله والوطن للجميع! وسبب خراب اليمن يكمن في أن النخب السياسية جعلت من حق القوة قاعدتها الأساسية، إذ أن كل من استولى على السلطة أقصى الآخرين منذ ١٩٦٢ في صنعاء وعام 1963 في عدن بنِسَب متفاوتة العنف والقسوة والسؤال هو: هل تمكنت كل جماعة منتصرة من تصفية المخالف لها كل مرة؟ وماذا بعد كل تلك التصفيات التي شاهدها اليمنيون في الجنوب والشمال منذ التحرير والاستقلال؟ أن الموقف الجدير بنا هو إن نتفهم حقيقة ما جرى؟ ومازال يجرى؟ والى أين تمضي الأمور؟ إن المرء يخون ضميره إذا ما ادار ظهره لألأم الآخرين وتصرف وكأن الأمر لا يعنيه ولا يخصه لا من بعيد ولا من قريب!كما انه من المخجل والمقرف إن يتسابق الناس في (الجمهورية اليمنية الثالثة) ومنهم المشايخ والقبائل والعشائر والإفراد والاحزاب والهيئات ومجلس النواب إلى إعلان تأييدهم المطلق .للحرب الأهلية الدائرة في صعدة دون إحساس بتأنيب الضمير أو الشعور بالاسئ تجاه تلك الأرواح التي تزهق من الأطفال والنساء والشباب والشيوخ ومن أفراد القوات المسلحة وانصار وأهالي جماعة الحوثي الذي جرى ويجري تصويرهم بابشع الصفات والنعوت التي لم ينزل الله بها من سلطان قبيل(إرهابيون، متمردون، غلاة الشيعة، روافض ،خوارج، زيود، شياطين أشرار، بغاة، صفويون، شيعه باطنية.الخ) وكأنهم كائنات خرافية هبطت علينا من جحيم دانتي! وكأنهم لم يكونوا هم أنفسهم الذين كنا نراهم في شوارع صنعاء وصعدة وعموم اليمن وفي مجلس النواب ويذهبون إلى إعمالهم ويصلون ويتكلمون ويدرسون ويأكلون ويشربون مثلنا نحن بني ادم وكأنهم لم يكونوا هم بعينهم( جماعة الشباب المؤمن الذين فتح لهم رئيس الحمهورية قلبه ومكتبه ومد لهم يده مصافحاً ومباركاً خطاهم وداعماً لهم بالمال والجاه والنفوذ والبركات. إن الحيوانات والأطفال هم وحدهم أسرى الحاضر أما العقلاء الراشدين فيتدبرون الماضي والمستقبل أي يجيدون لعبة أعادة النتائج إلى أسبابها والتدبر بالعواقب قبل الأقدام على الأفعال وإذا كانت المسؤولية سياسية فإن الامر يزاداد خطورة ويحتاج مزيد من الحيطة والحكمة والحذر. المثل يقول (إذا اخطأ الإنسان العادي اضر نفسه, أما القائد السياسي فأبسط خطأ يقترفه فإنه يضر شعبه ووطنه ودولته لا محالة), أما حين تكون الأخطأ فادحة وكبيرة وقاتلة كما هو حالنا , فمن الأولى بنا ان نعيد النظر الكلي في تاريخنا؛ تاريخ الذات الفردية والجماعية وتاريخ الثورة والنظم السياسية , ان لا نتعايش مع هذا الركام الرهيب من الفظائع وكأنها لم تكن! ,فكيف يمكن تبرير سلوك سلطة تدفع ماتم اخذه من عرق وكدح وبؤس افراد رعيتها وشعبها ،من أجل إنشاء وتأسيس وتنظيم جماعة مؤمنة ،ثم تعمد في خطوة لاحقة إلى تجريد وتسخير كل مقدرات الدولة والوطن من مال ورجال وعدة وعتاد لتدمير وتفكيك الجماعة ذاتها التي صنعتها بأيديها ؟!وما الذي تفعله حينما تعلن الجماعات المؤمنة الأخرى( الإخوان والمجاهدين والسلفيين وأنصار الشريعة والقاعدة وغيرها من الجماعات التي تم تخليقها في مختبرات السلطة فأخذت تتناسل اليوم بمتواليات هندسية أدخلت البلاد والعباد في دوامة الحروب الطائفية المقدسة شديدة التحريض والانفجار. فليس هناك ما هو اخطر ولا أفظع من ( العنف المقدس ) اقصد العنف الذي يمارس تحت رايات أيديولوجية !العنف ولعدوان متأصلان في الطبيعة البشرية ولا مهرب من ذلك ، لكن يظل العنف معقولا وممكنا في حدود الطبيعة الإنسانية منذ أن قام قابيل بقتل أخوه هابيل ، وهذا هو معنى ((من يفسد في الأرض ويسفك الدماء)) كما جاء في التنزيل الحكيم.العنف في هذه الحالة يكتسب صيغة بشرية بوصفه صراعا بين الإخوة الأعداء، بين بشر متخاصمين ، بين ذوات إنسانية ، بين المتشابهين في النوع والجنس والصفات لكن الخطر يكمن حينما يتحول العنف البشري الطبيعي إلى عنف مقدس بين أخيار وأشرار، بين ملائكة وشياطين بين نحن الأخيار وهم الأشرار) كما هو حال حروب الطوائف المشتعلة اليوم في كل مكان من بلادنا العربية والإسلام في الصومال وأفغانستان والشيشان والعراق وغيرها. في الحروب (المقدسة) يخرج العنف عن حدود معقوليته البشرية وطبيعته الإنسانية ليتحول إلى حالة ما قبل مقبل طبيعية وما بعد إنسانية حيث ينشب المحاربون مخالبهم بعضهم ببعض كسراطين البحر حتى الموتّ !ومن هنا يمكن لنا فهم حجم القسوة المهول الذي يتميز بها هذا النمط من أنماط العنف الرهيب؛ انه لا يكتفي فقط بهزيمة الخصوم, لأنهم غير موجودين هنا بوصفهم كذالك , بل يتحول إلى سعي محموم لتخليص العالم من ( شر مستطير ) هو الشيطان الرجيم عدو( الله سبحانه وتعالى برحمته عما يصفون ) ومن يعتقد انه من (أنصار الله أو (حزب الله) أو أخوان الله أو عيال ألله أو أنصار الشريعة أو أهل السنة الصحيحة أو من آل البيت .الخ فهو يسوس هوية الآخرين الأغيار المخالفين أو المختلفين بعدهم شياطين أو كفارا يحل لنفسه قتلهم تحت راية( الله أكبر) ومن يتمكن من الإمساك بالشيطان الرجيم ذاته, عدو الله وعدو ال ماذا تريده أن يفعل به ؟! مع الشياطين كل شيء مباح ولا حرمات يمكنها إيقاف الغل والانتقام المخزون في صدور المؤمنين بهذا أو ذاك المعنى من الاندياح بحماسة وارتياح! وهذا هو ما يفسر الجرائم المروعة التي ترتكبها الميلشيات والجماعات المتشددة طائفيا في كل مكان كما شاهدنا في العراق بعد الاجتياح وفي الشيشان والصومال وأفغانستان وغيرها. إن العنف المقدس المتبادل بين طائفتين كل منها تعتقد أنها تمتلك الحقيقة المقدسة والسر الإلهي وتعلن ذاتها ملاكا والأخر شيطانا يشبه اللهب الذي يلتهم كل شيء يلقي عليها بغرض إطفاءه . انه غل مركب من الثأر الجاهلي والتعصب الطائفي والوحشية الحيوانية والقسوة السياسية. بيد إن السؤال الذي يجب إن نواجهه اليوم ونحن نشاهد النار تندلع في أطراف ثوب (الجمهورية اليمنية) المهلهل بالفساد المستديم هو: لماذا تنتفض صعدة الزيدية لتعيد طرح مشروعها السياسي الديني الطائفي المتوكلي الإمامي الهاشمي الذي كنا نتوهم ونعتقد بأن الثورة في 26سبتمر 1962م والجمهورية الوليدة قد تجاوزته بمراحل وجعلته من إخبار التاريخ وذكريات الماضي؟ ،ما الذي ابقي هذا المشروع الذي ينتمي بشكله ومحتواه وبنيته ورموزه وخطابه وعلاقاته إلى اللحظة القرشية وبدايات الدعوة الإسلامية في مكة والمدينة؟وما الذي يريده جماعة الشباب المؤمن بإعادة الإمام بدر الدين الحوثي إلى الواجهة؟ وزعمهم أنهم يقاتلون من أجل عودة الحق إلى أصحابة الشرعيين وذلك بعد 44عاما من قصف قصر البشائر في صباح 26 سبتمبر 1962م؟ وكيف استطاعت هذه الجماعة ( الشباب المؤمن) الذي دعمها رئيس الجمهورية علي عبدالله صالح علنا من مطلع تسعينيات القرن الماضي؛ كيف استطاعت أن تنمي مشروعها وتكبره وان تجد البيئة السياسية والاجتماعية والثقافية المناسبة للشروع بتنفيذه على أرض الواقع بعد قرابة نصف قرن من قيام الثورة والجمهورية؟
أنني بعكس الكثير من المحللين والفرحين والمطبلين أن شديد الحيرة والقلق والتشاؤم من حرب صعدة التي يرى فيها البعض مجرد لعبة سياسية من العاب السلطة السياسية التي أدمنت اللعب مع الأفاعي كما يردد رئيس الجمهورية دائما. بالنسبة لي أنا المتخصص في تاريخ الفكر السياسي والفلسفة السياسية جوهر فلسفة التاريخ والحضارة, تخصصي العام أرى إن تلك الحرب حبلى بنتائج كارثية ثمة شؤم يلوح لكل ذي بصر كهوف مران. تعود الملكية الإمامية بكل قوتها العقيدية والاجتماعية وكامل أدواتها المادية والرمزية الواقعية والمتخيلة لتعيد طرح مشروعها المنطلق من نظرية الحق اللاهي وخرافة ( البطنين والعترة وآل البيت والحسن والحسين وفاطمة والمهدي والهادي والسادة والعبيد ..الخ) فما الذي يفسر عودة تلك الرغبة الحلم والاستعداد للموت والقتال لا اجلها ؟الا يعني ذلك ان الثورة والجمهورية مازالت عند درجة الصفر في انجاز استحقاقها التاريخي الذي كلما تأجل كلما تصعبت عملية إنجازه إذ إن الجمهورية ليست مجرد حشد وتجمهر بل هي نظام سياسي يتم فيه تحول الجماعات والأفراد إلى مواطنيين أحرار لا سيد لهم غير القانون؛ سيد الجميع بلا استثناء وحينما تعجز النخب السياسية عن تأسيس المؤسسة الوطنية العامة أي الدولة العادلة ( مؤسسة المؤسسات كلها ) بحسب اكتون المؤسسة الجامعة التي تحفظ حياة الناس وتصون حقوقهم وكرامتهم في نظام وطني دستوري جمهوري عادل ومستقر ؛ تزدهر المشاعل والمشاعر والشعارات الرومانسية الحالمة بذكراها تعبيرا عن العزاء والسلوى بفقدها. فمن لم يجد في الواقع الحاضر الفوري المباشر ما يشبعه ويرويه ويكفيه يضطر مجبرا إلى الحلم تعويضا استيهاميا عن الإنجاز التاريخي الذي لم يتحقق وهذا هو الفشل الذريع وربما الكارثي إذ استمرت حرب صعدة وتحققت أهداف مشعليها على المدى البعيد. وحتما تحسب خسائر الحرب مع الإمام بدر الأول وأنصاره ومقارنهً بخسائر الجمهورية الوليدة مع الإمام البدر الثاني لحوثي تكتشف كم هو فادح ذلك الثمن الذي دفعناه بسبب تأجيل أستحقاق تأسيس دولة للمواطنين اليمنيين أفصد لدولة بوصفها مؤسسة المؤسسات الوطنية الجامعة هي البيت السياسي المشترك للموطنين القاطنين في مكان وزمان متعينيين بينما السياسية هي اللعبة التي يمارسها سكان البيت في الصراع على عناصر القوة؛ السطلة والثروة والوظيفة العامة والجاه والتمثيل . الخ. فاذا لم تأسس الدولة على أساس تعاقدي دستوري مدني يكفل حق متساوي لجميع المتعاقدين في العيش الكريم والوصول والحصول على الفرص فمن العبث الحديث عن السياسة ونتائجها ويساورني القلق اليوم بان نلك تلك الفرصة ضاعت وكل ما أخشاها أن يأتي نجد أنفسنا في يوم من الأيام بدون دولة ولا سيادة فالسلطة التي تتخذ من العنف الخيار الوحيد في حل مشكلاتها وأزماتها تعمل على تقويض ذاتها وتهديد حياة مجتمعها، اذ يستحيل تبرير مشروعية العنف في كل الحالات، فاذا لم يكن العنف استثناء تستدعيه ضرورة قاهرة وفي لحظة مباغتة للحفاظ على حياة الناس ومصالحهم وتأمين سعادتهم ومستقبلهم ضد اي تهديد خارجي مؤكد، فإن السياسة والتسلطة السياسية تضع نفسها على شفير الهاوية و«حينما يكون الحصان على شفأ الهاوية، فلا يجدي شد اللجام لا يقافه! لقد أوهمنا أنفسنا بأن الثورة أنجزت وان الجمهورية تحققت وان الوحدة تمت وان الديمقراطية تجسدت ولكننا كل يوم نكتشف بأن الثورة لم تبدأ وان الجمهورية لم تتحقق وأن الوحدة استنفذت كل طاقتها الحيوية الواقعية والمتخيلة وغدت في مهب العاصفة ولم يبق من صورة الجمهورية الديمقراطية المتخيلة وهي أخر أوهامنا إلا مشهد مئات المشردين من قراهم في مملكة *الخراب* الجعاشني ومنظر آلاف الأطفال الهاربين من جحيم الحروب الصغيرة والكبيرة والهروب إلى جنات الممالك الجديدة وسجن الباشق الرهيب وصور البؤس والفقر والفساد في كل مكان .
إذ لو كانت الجمهورية سليمة ومتعافية وقادرة على استيعاب صعدة وكل ابناء اليمن في بنيتها الاجتماعية الجديدة لما حدث ما حدث. لكن الثورة في حقيقة أمرها لم تكن الا انقلاباً للجناح العسكري القبلي في المذهب الزيدي ضد الحناح السياسي الإمامي الهاشمي ومؤسسته وسلطته التقليدية في الحكم والسلطان وبدلاً من أن تنمي الجمهورية اليمنية شكلاً جديداً للمجتمع؛ شكلاً مؤسساً على اساس دولة المواطنين المتساويين بالدستور والقانون، شكلً ومجتمعاً ففي البنية والعلاقات يقوم على اساس معيار الكفاءة الشخصية والمسؤلية الفردية لو ان الثورة تحولت إلى دولة للجميع وليس لاحد حق فيها اكثر من الاخر مهما كان نسبة وحسبة وقوته وقبيلته وحزبه ورجاله .الخ لما كنا اليوم نواجه أنفسنا في ذات النقطة التي اعتقدنا إننا تركناه منذ نصف قرن.إننا نتفق مع الدكتور أبو بكر السقاف في ما ذهب اليه من إن " الحرب اكبر فشل يواجه أي مجتمع والحرب الأهلية أكثرها تدميراًمادياً ومعنوياً وما يسمى الحربين السابقين في جبال صعدة جاءت بعد إهمال طويل لهذة المنطقة منذ قيام النظام الجمهوري القبلي في عام 1962م وكأنه استمرار لتاريخها الطويل من الشقاء والموت ،في صعدة منذ قدوم الهادي الرسي إليها من من أكثر المدن معاناة من الحصار والاستباحة" عجزت السياسة عن تنمية شكل جديد للحياة الاجتماعية ،شكل يستوعب ويدمج في نسيجه الحي كل أشكال البناء الاجتماعية التقليدية القرابية العشائرية والقبلية والمذهبية والمناطقية والجمهورية والقروية هو الذي سمح لجماعة الحوثي ان تحافظ على ذاتها وتعزز تماسكها وتلعن (نحن)ها الأيديولوجية فحيثما تختلج ( نحن) و (هم) تكون أيديولوجيا ، وحينما توجد أيديولوجيا توجد مصالح وغايات ومنافع يمكن رؤيتها وتعيينها بوضوح ، في عالم الممارسة الاجتماعية الحية حتى وأن أدعت هذه الجماعة أو تلك بانها أنصار الله أو حزب الله أو انصار الشريعة أو أخوان الله... الخ وأكدت أن كل ما تفعله هو خالص مخلص لوجه الله العلي القدير الرحمن الرحيم ، وما أسهل التأويل وما أسرع التبرير ، وكل يرفع المصحف راية حرب وعقيدة شرع و شعار احتشاد ، وحينما يكون الداعي باسم الله الواحد الحق فاعلم أن الشرخ قد اتسع وأن الفأس وقعت بالرأس! ففي مجتمع لا حياة فيه للذات الفردية والمواطن الفرد المتمتع بالأهلية القانونية والسياسية وليس فيه "نحن الكبرى" أي الدولة الوطنية الجامعة بوصفها مؤسسة المؤسسات كلها لابد لكل جماعة أن تبحث لنفسها عن ( نحنها )الخاصة بها بل وتختلقها اختلاقا أحيانا؛ أكانت فرابية دموية أو مذهبية دينية أو طائفية أو قبلية أو حزبية أو جهوية أو سلطوية 'والسلطة في اليمن وطن'
إن حرب صعدة اليوم وحرب عدن بالأمس والحروب اليومية الصغيرة التي تنيخ بكلكلها على حياة الاغلبية العظمى من سكان الجمهورية اليمنية الجريحة ، بكل أشكال القهر والظلم والاذلال والعبث بمقدرات الوطن وحياة أبنائه بإدامة نظام الفساد والافساد لاريب وانها تعجل الخطأ بتفكيك بنية هذة الدولة الهشة وتسد الأفق أمام كل ما من شأنه إيقاف عجلة التدمير المتسارعة. نكرر القول: لا يجدي شد اللجام حينما يكون الحصان على شفا الهاوية! إننا لسنا مع الحوثيين ولسنا ضد الرئيس ولا ضد السلطة والحكام بل نرى إن الأوان قد حان للمراجعة الشاملة إذ إن الأمر اليوم لا يحتمل المناكفات السياسية بين السلطة والمعارضة أو بين الوحدة والانفصال أو بين الإخوان والكفار.الخ. لقد بلغنا مرحلة من الخطر تستحث الجميع على التوقف وإعادة النظر بكل تاريخ القصة التي كناها منذ نصف قرن. فإذا ما .اعترفنا بحقيقة وضعنا حينئذ فقط سوف نتجاوزه . والاعتراف بالتخلف أول خطوة نحو التقدم كما أن الاعتراف بالجهل هو مفتاح الدخول إلى مملكة المعرفة.
اننا لسنا افضل من الصومال ولا احسن من العراق المجيد ، ولا توجد اداة سحرية يمكن لها الحفاظ على النظم من التفكك والجمهوريات من الانهيار ف(الدولة مغامرة غير أكيدة) على حد تعبير الفيلسوف الفرنسي جاك باغنار. ثم وسيلة واحدة وأداة مجربة هي المؤسسة ، اي الدولة العادلة من حيث هي مؤسسة مبنية على أسس علمية حديثة معيارية تعمل بقوة الدستور والقانون الذي هو سيد الجميع ، والقانون وحدة هو الذي يحمي النظم من التفكك والانهيار بل إن النظام هو القانون الذي ليس لاحد قدرة أو قوة على اختراقه. إن كل ما نحتاج إليك اليوم هو دولة مؤسسات لا مؤسسسات دولة ، وهناك فرق بين النموذجين فقد اثبتت التجارب فشل نموذج مؤسسات الدولة في العراق والصومال وافغانستان وفي كل مكان وها نحن نكتشف بعد نصف قرن من المسير اننا قد انحرفنا عن النموذج الذي كنا نحلم به ؛ نموذج دولة المؤسسات الراسخة التي ليس فيها مجال لتدخل النوازع الشخصية والأهواء السياسية العابرة. ليس عيباً إن نعترف الآن وقبل فوات الأوان باننا نحتاج إلى استئناف بناء نموذج الدولة التي لا تتفكك بمجرد سقوط الزعيم او الحزب او السلطة القابضة على مقاليدها ، كما شاهدنا في العراق والصومال وافغانستان والتي عادت بسبب التفكك الى مئات إلى الوراء .
ان نموذج الدولة القائم عندنا هو النموذج الذي يحتاج على الدوام إلى قوة السيف والساعد حتى يظل قائماً محافظاً على تماسكة الهش في حين ان النموذج الذي تحتاج إليه هو نموذج الدولة التي تنهض على قدميها وتشد ذاتها بذاتها من الداخل بالاعتماد على قواها الذاتية النابعة من العدالة والمواطنة والسيادة والانتماء وقوة المشاعر الوطنية عند جميع ابناءها. إن دولة المؤسسات والنظام والقانون هي دولة المواطنيين الاحرار، دولة المجتمع السياسي التي تقوم العلاقة بين مواطنيها على اسسس المصلحة المشتركة والمساواة والتكافؤ في الفرص . دولة سيدة وحدها تحتكر جميع إشكال القوة وادارة مركزية للعدالة وتقسيم عادل لثروة والسلطة. فإذا كنا قد إنشاءنا مثل هذة الدولة التي يشعر الجميع بإنها دولتهم ووطنهم وهويتهم وقوتهم وعزتهم ومجدهم وأمانهم وعدتهم وأمنهم وسترهم ..الخ فلا خوف من الخلاف والتنافس بين قوى المصالح والأحزاب المتنافسة على السلطة وليس ما هو ابلغ من تعبير أهل صعدة (بأن الدولة هي ستر أهلها) أي تستر جلالهم بلهجة البدو. إن هذا الحلم الجميل بدولة تستر عري بنيها وتعصمهم من البرد والحر والضياع والتشرد وتصون كرامتهم وحقوقهم من الظلم والقهر والنهب والسلب ينبغي أن يكون حلما لجميع اليمنيين قبل أن تعيد صعدة وشبابها اختطافه لانها تعرف قيمته وأهميته. لقد كنا نحلم بوطن نموت من اجله صار لا ولن نموت على يديه! فإذا كانت لكل اليمنيين دولة حاضنه وراعية لكل مواطنيها تنظر اليهم وتعاملهم بالعين السوية فمن المستحيل إن نرى حرب صعدة او حرب الانفصال او كل مظاهر الضيق والقهر والتململ والتمرد والعنف التي نراها كل يوم في حياتنا وهي تعبر عن الغياب الشبه الكامل لمثل هذه المؤسسة العامة المنشودة ( دولة النظام والقانون العادلة المستقرة) الحلم الدائم والحاجة الملحة التي بدون إشباعها لا عاصم لنا من التشتت والضياع ، إن الآن وهنا وقد بدأت النار تحرق خيمتنا السياسية المهلهلة؛ موقفا مسولا وإرادة سياسية وطنية وشعور عالي بالخطر الداهم وضرورة التوقف عما نحن سائرون فيه. واستئناف وضع الخاطئ على درجات السلم الصحيح. إنما نحتاج إليه اليوم هو الدولة الوطن المؤسسة النظام والقانون التي تقوم على قوة الحق لا حق القوة. إن سلطة أو تسلطية العنف والحرب والاحتلال والقمع والاستبداد, إي القوة الفجة في بلاد (اليمن السعيد بجهله) كما حذر غير مرة الدكتور ابوبكر السقاف بقوله" أخذت تحل محل السياسة بوصفها تدبير أمر الشأن العام ومحل السلطة بعدها حكم الناس برضاهم ومحل قوة الحق والرشد والحكمة والشرعية في حل المشكلات والأزمات التي تواجه البلاد والعباد في الجنوب والشمال ليحل الخراب وتضيع السيادة ويصير الأمر كله مرهون في أيادي خارجية , إقليمية ودولية , وهذا هو الأمر المتوقع من تغليب العنف على السياسة" والعنف حينما يزيد عن حده ويتسع مداه وترسخ تجاربه وتتعمق آثاره في البنية الاجتماعية والحياتية للناس.
حرب صعدة ليست مثل كل الحروب العادية يا عقلا اليمن ؛ إنها حربا عقائدية خلدونية لا تبقي ولا تذر ولآت ساعة ندم!