أشار جورج أوريل، قدس الله سره، الى ظاهرة تنتشر في البيئات القمعية هي "التفكير المزدوج".. أن تؤمن بالفكرة ونقيضها دون أن تشعر بأن إحداها تنفى الأخرى.
مثلا ، تؤمن بدعاية الحزب أن الانتاج الوطني تضاعف وفي نفس الوقت أن التقشف ضروري بسبب قلة الانتاج!
ما أراه اليوم من تجاور خطاب "النصر" مع خطاب "الإبادة" عند العرب تجاوز خيال أورويل الخصب.
نؤمن أننا انتصرنا، ونؤمن في نفس الوقت أن العدو يمارس الإبادة ضد شعبنا. مع ان الانتصار يعني بالضرورة أننا نحمي شعبنا ونكبد عدونا خسائر باهظة، لأن الإبادة هي أعلى درجات الهزيمة.
نؤمن أن عدونا ضعيف ومهزوم ، ونستجدي العالم أن يقف معنا ضد صلف وجبروت وقوة العدو.
نشاهد العدو يصطاد قائد الميليشيا المقاوماتية بسهولة وبلا مقاومة، ونقتنع ان العدو خاسر لأنه فعل ذلك.
ندافع عن حق "المقاومة " في الرد العنيف والمستمر بلا قيود ولا حدود، ونطالب في نفس الوقت بايقاف إطلاق النار ووقف العنف وعودة السلام.
ندافع عن الميليشيا لانها "تحمينا" ونستصرخ العالم لكي يحمي الميليشيا من العدو ويحمينا!
نؤمن اننا كنا مهزومين ونحن نطالب بالقدس والاقصى، ونقتنع بأننا منتصرين اليوم ونحن نطالب بمعبر رفح وجنوب لبنان.
كان أورويل يتخيل ان "التفكير المزدوج" لا ينجح الا في ظل سيطرة كاملة "للحزب" على كل وسائل الاتصال والتفكير واللغة، وتكثيف يومي لرسائل الحزب بحيث لا يملك المواطن أي وقت للتفكير في صحة المعلومة أو خطئها.
فكيف سيكون موقفه لو عرف أن التفكير المزدوج عند العرب لا يحتاج إلى أكثر من مهرجين مثل الدويري والبرغوثي، وقناة تقدم دعاية درجة عاشرة مثل الجزيرة؟!!