أسواق القات تكتظ بالأيمان وبالناس.. البائع يمطر كل زبون بألف يمين وألف طلاق.. دون دمار دون خراب.. لغو يتلاشى كسراب.. لا فتوى فيها ولا كفارة.
الويل ثم الويل من إيمان يتخاتل.. يتلصص في لج الليل.. الويل من وعدٍ بات هلام، وعهد منكوث بالعيب الأسود، وأيماناً يطلقها الأوغاد.. غبي من صدّقها.
أيمان القات مهما ثقلت وطأتها، وصارت بثقل الفيل.. مهما انتفخت كالمنطاد، تظل أخف وزناً من خف حنين.. أخف من وزن الريشة.. ودون بألف من ويل الساسة، ومكر الأوغاد.. مكر الأوغاد أشد غلاظة.. أيمان القات بنا أرأف بالمليون من فتوى كاهن معبد.. رب المعبد شيخ زاهد، يلقي بكوارثه كرماً في وجوه الناس.
يمين الوغد سحقاً مَحقاً لا ترى منه يوماً خيراً.. مهما كدّيت بحثاً عنه حد الإعياء ونفاذ الصبر.. لن تجد إلا خيبة بطعم العلقم.. يطلق وعداً دون وفاءٍ.. يعاهدكَ ثم يخون في نفس اللحظة، قبل جفاف الحبر، وإن طال باله وتعمم حكمة، يمكر فيك قبل مرور العام.. إن ضيّقت عليه أشربك السم الناقع.. عهد الوغد لا تأمنه مهما غلظ العهد.. الوغد مملوء بالمكر.. مسكوناً بالحيلة يتنفس كذبه.. يمين الوغد مقلب ماكر لن تنساه مهما حييت.
ندم يحتلك من رأسك إلى أخمص قدميك، يستولي على ما بقي لك من حياة وحنين.. الوغد يتسلل من أنفاسك ومسامك.. يخترقك كالريح الأحمر.. يسري كالسم في الدم، يتمدد تحت الجلد، ولا ينفك منك إلا ونزع عنك اللحم وعض العظم.. يقتاتك بشهية ضبع جائع.
ندم جم يلاحقك كلعنة فرعون.. سم لا يكف عن السريان حتّى تغادر روحك خلف الشمس.. معروفك مهما تراكم، وبدا مثل الجبل الضخم، يسحقه الوغد من أول يوم، بل من أول وهلة تمكين.
***
وعد الوغد آنية زهور.. يرميها من شاهق من أول تمكين.. يرميها من سابع دور عند أول طلعة.. الوغد تصافحه وتستودعه سلاماً باسم الرب، بعد ثوان تتفقد نفسك، وعمّا ضاع منك، وما الناقص فيك؛ فتجد نفسك مقطوع اليد، ومهدود الحيل.
أيمان القات تنفذ من جعبة صاحبها في ساعة أو بعض من يوم.. تتلاشى كسراب أو خيط دخان.. ولا كأن ما كان في يوم كان.. أيمان الأوغاد والساسة دستورية بتأصيل "فقهي ديني"، فيها سلب للروح.. تجريف للوعي وغصب متوحش لإرادة أمة باسم الله.
الوغد يتسلل تقية.. يخدعُنا حتى يصل البغية.. يصير الطُهر مبغى.. يتفرعن أكثر من فرعون.. يقتل.. ينهب.. يفسد.. يتصحّر في وجه ماء الوجه.. يتصحر في وجه الناس.. يسود الأمة بالسيف وبالغلبة.
يأخذ ما يعجبه من الدستور، وما راق له من القانون.. وتحتفل الحشرات بطنين وضجيج يتلاشى فيها صوتك.. ينفجر بوجهك .. يحطم أضلاعك.. يهرس عظام الساقين.. يكسر رأسك نصفين.. وإن كان القانون ضده، رماه في مزبلة نتنة؛ وقال: هذا القانون رميم.. هذا القانون دميم لا يعنينا البتة.
يبدأ صلواته باسم الله.. يأخذ دارك في الدنيا، ويهديك قبراً بدلاً عنه.. حتى القبر بات أغلى من بيت في الزمن الماضي.. لا يظفر بالقبر اليوم إلا من كان سعيداً صاحب مال أو ضربة حظ.. يوعدك بالدار الثاني، ويمنّ الشعب بأماني الوهمٍ، والغيث سرابا في أنفاس القيض.
تشتعل الصحراء بالحر وبالقيض.. تنتصر الخدعة تلو الخدعة، ويحتفل المنتصرون بالنصر الجاثم على حطام وأحلام الناس.. تقع من رأسك، وترتطم بالصخر الصم.. تكتشفَ كم كنت غبياً.. كم كنتَ ضريراً.. كم بلغ فيك العته.. عليك يا هذا أن لا تُخدع، وأن لا تُلدغ من جحر الأفعى أكثر من مرّة.
أيمان الباعة للقات، تتم دون تلفزة أو بث.. دون خسران أو ضجة إعلام.. الساسة على أطياف البث يبثون الدجل اليومي والناس جياع.. كل سياسي يدعمه ألف سفيه يقتات من مال الشعب، ونزيف الروح.. التعيين لا ينفذ دون يمين.. الساسة بألف قناع، وأوغاد الأوغاد من الخلف يديرون المشهد عن بُعد بالموت وبالدم والغلبة.
البائع يحلف أيمانه ويده على قاته أو دونه، فيما الساسة يضعون أيديهم على القرآن.. كتاب الله.. يحلفون الأيمان دون أن تهتز لأحدهم شعرة.. كفوفاً تثقلها الآثام، وأصابع مجذومة تتمطى كتاب الله.. تُستعمر بالدين وبالغلظة.. شعوب مغدورة بأيمان الساسة وفتاوى رجال الدين.
***