آخر تحديث :الإثنين-31 مارس 2025-07:17م

أزمة الوعي وتقاعس الحكومات

السبت - 01 فبراير 2025 - الساعة 01:11 ص

نشوان العثماني
بقلم: نشوان العثماني
- ارشيف الكاتب


(1)

المسؤول الأول عن جريمة اغتيال #سلوان_موميكا هي الحكومة السويدية، التي (تساهلت/تقاعست ربما خانت) التزامها بحماية من لجأ إليها، وتركته مكشوفًا أمام الرصاص. كانت تعرف -بالطبع- أنه مستهدف، ورغم ذلك، كما لو أنها تقع خارج الحدث حتى لا نقول إنها تخلّت عنه بدم بارد.

لكنها ليست وحدها في قفص الاتهام. الحكومة النرويجية شريكة، لا بطلقة، بل برفضها أن تمنحه ملاذًا حين طرق بابها ووصل أراضيها وأعادته من حيث أتى. كان منبوذًا في بلده الأول، ثم أدار له "العالم المتحضر" ظهره، حتى وجد من يتكفل بإسكاته إلى الأبد.


(2)

سلوان أخطأ، بل وقع في حماقة متكررة بحرقه للقرآن، وكان يمكن توجيه أقسى النقد له، حتى محاسبته قانونيًا وفق القوانين المتاحة. لكن أن يُسحق بالرصاص لمجرد أنه تحدّى نصًا مقدسًا؟!! هنا تتحطم كل الأقنعة، ويُكشف الوجه الحقيقي لوعي لا يعرف سوى الرد بالعنف.


بين الخطأ والجريمة جدار شاهق (أكبر من جبل ورْوَهْ)، لا يُهدم أبدًا باسم الغضب/ردة الفعل وغيره.

ليس كل ما يستفز يُجابَه بالموت، وليس كل ما يؤلم يُعالج بالخنجر.

العالم الذي يختنق بالكراهية لا يمكن أن يتنفس الحرية.

يجب أن نكررها حتى تتشقق طبقات الجمود المتحجرة في الوعي الجمعي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا وعموم الثقافة الممتدة:

الأفكار لا تُعدم بالرصاص. الكراهية، مهما كانت وجهتها، هي جريمة ضد الروح الإنسانية قبل أن تكون جريمة ضد فرد.


(3)

ما الذي يجعل نقد أي نص مقدس، أو نقد تأويل محدد له (مهما بلغت صور هذا النقد)، مبررًا للقتل؟

لماذا لا يزال البعض يرى النقد تهديدًا وجوديًا، بدلًا من أن يكون فرصة للفكر، بل ولوعي أفضل؟

أقف بشكل واضح وصريح ضد كل من يريد أن يهين أي نص يعتبره شعب من الشعوب مقدسًا، لكن لا يمكن بأي حال من الأحوال تبرير أي جريمة بحق أي إنسان ترتب على موقفه الفكري -أيًا كان- تحييده من الحياة لهذا السبب!!!!! (ومن ذلك من يقول إن هذا الكتاب أو ذلك محرّف -وبدم بارد بالطبع يقولها كما لو أنها مُسلّمة- لا لشيء إلا لأنه يتعارض معه! من أنت؟ ليش "حقك حق وحق الناس مرق؟" انظر لنفسك ولذاتك ما الذي تفعله بالآخر قبل أن ترى لـ"بعض" هذا الآخر ما يفعله بك!)

والمشكلة ليست (فقط) في النصوص، بل في الوعي (حتى لا أقول "العقول") التي تحرسها بالسيف، وتطرد عنها الهواء بالخوف. (وبالطبع مشكلة الفهم إذا ما حُقّ لنا أن نقول ذلك!)


(4)

إذا أراد الوعي الإسلامي أن يكون إنسانيًا بحق، فعليه أن يخرج من هذا القفص الحديدي، أن يتعلم كيف يتعامل مع النقد دون أن يشهر السكين. لا يهم إن كان من قتل سلوان مسلمًا أم لا؛ المهم أن اغتياله تحقق لأن فكرة القتل باسم المقدسات لا تزال تجد من يبررها، من يُهلل لها، من يراها "عدالة سماوية"!


إن أي فكرة تحتاج إلى الرصاص لتحمي نفسها ليست فكرة، بل وهمٌ مذعورٌ يخاف من ظلّه وهذا كله خوف باسم كل هذا البؤس [...] (حتى لا أقول شيئًا آخر).

أي عقيدة لا تصمد أمام النقد، لا تصمد أمام الحياة.

والمجتمعات التي تستنفر للقتل دفاعًا عن رموزها، بدلًا من أن تواجه الفكر بالفكر، لا تزال تعيش في زمن انقرض منذ قرون. فإن كان هذا الوعي كذلك (لا يزال كذلك)، فهذا زمان ومكان ليس لك، ليس زمانك ولا مكانك.


هذا ليس مجرد اغتيال لرجل، بل تحييد لجوهر الاختلاف الفكري ذاته.


(5)

ما من ثقافة أخرى في العصر الحديث تُستنفر للقتل دفاعًا عن رموزها إلا حيث يُفهم الدين كحصن مغلق (إذ يصل أن يكون مخيفًا/خطرًا على الأسرة الإنسانية برمتها/بل وضد الوجود إذ هو ضد الإله)، لا كفضاء يتسع للحياة.