أولها أن الجولاني إرهابي مصنَّف دوليًا، ولم يُرفع اسمه حتى الآن من قائمة الإرهاب، ولم يقدم دليلا واحدا أنه خرج من ماضيه الجهادي وأن وصوله إلى القصر لا يغيّر شيئًا من ماضيه أو من مسؤوليته.
وثانيها أن الجولاني وهيئته ارتكبوا جرائم إرهاب، من خطف وقتل وإخفاء وإبادة بحق السوريين منذ بداية الثورة، وهذه الجرائم موثقة ولا تسقط بالتقادم. احتلت الهيئة المركز الرابع في قائمة الانتهاكات بعد النظام الساقط، وداعش، وقسد، لكن لا شك أنها قد قفزت إلى المركز الثاني على الأقل بعد وصولها إلى دمشق واستيلائها على ما تبقى من سلاح الدولة.
ثالثها وأهمها أن ما ترتكبه الهيئة اليوم من مذابح ضد العلويين ليس جديدًا في تاريخها، فالمذابح ضد العلويين والسنة، والتفجيرات الانتحارية في أوساط المدنيين، سلوك دأبت عليه الهيئة، ووثقته، وافتخرت به، وأن ما يحدث اليوم تكرار لما حدث بالأمس.
رابع الحقائق أن الجولاني وهيئته لم يخرجوا بعد من فكرة الكيان السني الطائفي إلى فكرة الدولة المدنية، وكل ما يفعلونه أنهم غيّروا الاستراتيجية إلى استراتيجية بطيئة طويلة الأمد، ستقود في النهاية إلى تأسيس الكيان الطائفي والحكومة “الشرعية”، حيث يتحول السنة فيها أنفسهم إلى فئة محكومة بثلة من الجهاديين والقضاة الشرعيين ومسؤولي الحسبة وتنفيذ الأحكام في الشوارع.
بناء على ذلك أحكم على ما يحدث اليوم.
أما عذر الفلول فكلنا يعرف أنهم مجرد جماعات متفرقة غير قادرة على إحداث فرق، وأنه لولا الانتهاكات الممنهجة ضد الاقليات لما استطاعوا أن يختلقوا أي مشكله.
وهذا يقود الى الحقيقة الخامسة وهي أن المذابح ضد العلويين ستدفع الدروز والأكراد الى المقاومة بالمثل ورفض سطوة الهيئة حتى لا تصبح رقابهم تحت سيف الجهاد المجنون.
كل حكم طائفيّ استبدادي هو طريق سريع الى الفتنة الأهلية.
---------------------------------
ضيّع المجاهد السابق فرصة ذهبية ولم يستغل أن النظام سقط بلا قتال، وأن أعمدة الحكم سلّموا المدن بلا مقاومة لاقتناعهم بأن النظام انتهى.
كان أمامه سيناريو ذهبي لبناء دولة جديدة: إدارة أمنية مؤقتة للمناطق بالتعاون مع الزعامات المحلية وجهاز الشرطة وضباط وجنود الجيش المنشقين، ومجلس حكم انتقالي يضم الجولاني وقادة الائتلاف وكبار الشخصيات المؤثرة، وحكومة كفاءات وطنية مؤقتة، ومؤتمر حوار وطني برعاية الأمم المتحدة لعدة شهور للخروج بتوصيات حول شكل الدولة وإعلان دستوري.
كانت كل الظروف مؤاتية: نظام ساقط بلا فلول ولا جيوب مقاومة، دعم عربي بلا شروط، دعم دولي مشروط بتحولات سياسية وحقوقية مقدور عليها، وقبول مجتمعي واسع بالواقع الجديد.
لكن عقلية النصر والفتح والغلبة سيطرت واستبعدت حتى الثوار الحقيقيين الدين كان الجهادي يقتلهم لرفعهم علم الثورة،
عقلية قادت البلاد نحو مواجهات أهلية. وحتى لو كانت هناك جماعات مسلحة تُثير المشاكل هنا وهناك، فإن اللوم يقع على عاتق السلطة التي غلّبت الحل الأمني، وأطلقت ميليشيات الجهاد الأجانب في مناطق الأقليات، وألغت السياسة بتنصيب “خليفة” في اجتماع سقيفة قادة التشكيلات العسكرية، وأدارت حوارًا هزليًا على مزاج الطامح الجدي للحكم.
---------------------------------
منشورات من صفحة الكاتب على موقع فيس بوك