آخر تحديث :الإثنين-31 مارس 2025-04:15ص

خالد الدعيس.. شاعر الذات اليمنية

الإثنين - 10 مارس 2025 - الساعة 01:45 ص

د. ثابت الأحمدي
بقلم: د. ثابت الأحمدي
- ارشيف الكاتب


ثمة عائلات يمنية توارثت النضال كابرا عن كابر، تجاه جماعة البغي السلالية الإمامية منذ قرون وإلى اليوم كآل الدعام الذين واجهوا الكاهن يحيى حسين الرسي المؤسس الأول للكهانة في اليمن، وحتى اليوم لا يزال آل الدعام مناوئين للكهنة ومقاومين لسياستهم.


والشيخ حسن الدعيس من أوائل الأحرار المناضلين في القرن العشرين الذين نادوا بإصلاح النظام أولا، فتغييره ثانيا، جنبا إلى جنب مع الزبيري ونعمان والإرياني والأكوع وعبدالسلام صبرة ومحمد الفسيل، وغيرهم من الأحرار المناضلين، وهو من الموقعين على الميثاق الوطني المقدس في أربعينيات القرن الماضي، ووكيل أول مجلس الشورى في حكومة الدستور التي أخفقت بعد قيامها، ورحل إلى عدن للنجاة من بطش الطاغية الجديد أحمد الذي نكل بالأحرار، وأرسل حملة عسكرية إلى بعدان، قامت بنهب ممتلكات الشيخ الدعيس من بيوته أولا، ثم تدميرها ثانيا؛ بل لقد تم نهب ممتلكات الرعية المجاورين وتدمير منازلهم، واقتياد نجله الأكبر محمد بن حسن إلى السجن في تعز، وانتهى به الأمر شهيدا بالسم الذي دسه له السيف أحمد بعد أن استأمنه الشيخ الدعيس، لكن الطاغية أحمد نكث بالوعد والعهد وقتل مستأمِنه بالسم، وزاد أن أرسل لجنة من قبله لانتهاك ضريحه والتأكد من وفاته ودفنه، لولا أن حاكم بعدان آنذاك قد أكد للجنة وفاته، وأنه قد دفنه بنفسه.


ولم يتوقف الطاغية عند هذا الحد فحسب؛ بل واصل سجن نجله، وأرسل عسكره وأتباعه على بقية أبناء الشيخ الدعيس، لينهبوا البقية الباقية من ممتلكاتهم. وهذا طرف يسير من نضالات الشيخ حسن الدعيس، جد الشهيد خالد.

الشهيد المناضل، ابن المناضل، الشاعر خالد عبدالقادر عبدالله بن حسن الدعيس، حفيد المناضل حسن الدعيس، ونجل البرلمانيالمرحوم عبد القادر عبد الله حسن محمد الدعيس.


الشهيد خالد الدعيس أحد أبرز الشباب اليمنيين المناضلين، الذي جمع بين نضال البندقية ونضال الكلمة، مثل رفيقه الشهيد نايف الجماعي، ومثلهما معا أبو الأحرار الشهيد محمد محمود الزبيري رحمه الله، وجميعهم ناضلوا من أجل وطنهم، ومن أجل قضيتهم التاريخية ضد الإمامة الباغية.


قال عنه الأستاذ خالد الرويشان:

هذا هو علي عبد المغني هذا الجيل.. هذا بطل أبطال هذا الزمان.. جدّه الأكبر شيخ بعدان، ثائر اليمن وفيلسوفها ضد الإمامة حسن الدعيس..

خالد هو الجيل الرابع. خالد عبدالقادر عبدالله بن حسن الدعيس. زارني في بيتي. دخل البهو متلفّعًا بشاله مثل فارس. وحين أزاح لثامه اندهشت! ثمة فتى تخرّج من الثانوية لتوّه! هذا أنت يا فتى الفتيان إذن! وكنت ذلك المساء وحيدًا. هكذا أراد؛ لكنه ملأ المكان حضورًا بهيًا وذكيًا.

قرأ قصائده الفصيحة فأدهشني، ثم ما لبثَ أن قرأ قصائده الحمينية فأذهلني! وانتهى بأن قرأ مقطعًا يحفظه من نصٍ قديمٍ لي! حدثني عن علاقته بالثقافة والفن والقراءة، فاكتشفتُ أنه سبق عمره بسنواتٍ وعيًا وتجربةً وفهمًا.. حدثني عن تاريخ الإمامة وظلمها.


كان واعيًا بتاريخ اليمن وجغرافيتها. لم يكن حزبيًا ولا تابعًا لأحد. كان حزبه اليمن الكبير. في داخله كتيبة ثوار وثكنة محاربين! في رأسهِ هديرُ بلاد وبين ضلوعهِ دمدمةُ شعبٍ وآهات جيل..


كان الشهيد خالد الدعيس يدرك كأي مثقف يمني مستنير إلى أي حضارة ينتمي، وإلى أي عرق يعتزي، فعمل منذ اللحظات الأولى على بعث الروح الحضارية اليمنية، بهويتها القحطانية التي تُعتبر من أولى الحضارات الإنسانية التي تشكلت في المنطقة، فنظم الشعر باللهجة الحميرية، متضمنا أعلام اليمن ومعالمها التاريخية، وإلى اليوم لا تزال أشعاره وقود الروح المعنوية للأحرار في مختلف جبهات القتال، وكان بالمقابل أيضا يدرك حقيقة الكهانة الإمامية البغيضة التي دمرت ماضي اليمن وحاضره، لهذا جاءت نتاجاته الثقافية شعرا ونثرا متدفقة بالثورية، مكتنزة بالصدق بلا مواربة، يقول:


هـذي الـرُبى مـن للحضارة أسَّستْ

مــن بـعـد عــادٍ قـبـل كـل مـؤسِّسِ

نــصَّـت هـنـالك عـرشـها مــن قـبـل

إيـوان كـسرى فـي حـضارة فـارسِ

قـــد بـــات مـشـدوهًا سُـلـيمانٌ بــه

وهــو الـمـليك مــن الـمـليك الأقـدسِ

مخاطبا عصبة السوء الإمامية الكهنوتية بقوله:

يا عصبة السوء يا أصل المصائب يا

آل الشرور ومَن عن ديننا مرقوا

يا فتنة الدهر يا أبناء ما اكتسبوا

منا جدودكمُ ظلماً وما سرقوا


كان الشهيد خالد الدعيس النموذج الذهبي الأرقى للشباب اليمني في التضحية والنضال والبذل بأغلى ما يملك من الفكر والمال والنفس أخيرًا، من أجل وطنه وهويته وعقيدته ضد سلالة البغي التي تعمل على تشويه كل شيء وتجريفه. كان قائدا شجاعًا شهمًا، حمل بندقيته التي ورثها من والده، وانتقل من ميدان النضال بالكلمة إلى ميدان النضال بالبندقية حتى لقي ربه شهيدا برصاصةٍ غادرة من مجرم سلالي عتيق أواخر شهر مارس 2019م، وإثر استشهاده ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بالحديث عنه، داخل اليمن وخارجها، وتشكلت مجالس العزاء في كل من: المملكة العربية السعودية وتركيا ومصر وماليزيا والسودان، إلى جانب مجالس العزاء في مختلف المحافظات اليمنية. الشهيد خالد الدعيس حمل قضية اليمن في قلبه فحملته اليمن في قلبها.


ونتوقف هنا أمام قصيدته الوطنية الأشهر، قصيدة تضج بالوطنية، وتنضح بالصدق، كما تشير إلى سبتمبر المجد والعظمة والخلود كمخلص لليمنيين من كهانة هذه العصابة الباغية:

تحوِيْ التَّجَارِبُ ما يُغني عن الحِيَلِ

فما لأيْلول – يا صنعاءُ – من بَدَلِ

هذي الشعارات قَطْرَانٌ وإن صُبِغَتْ

تَغيَّرَ اللونُ والمضمونُ لم يزلِ

هي الإمامةُ قد عادت بعُكْفَتِهَا

هُوَ الإمَامُ وآلُ السُحتِ والدَجَلِ

هذي الإتاوات والسُّراقُ أَنْفُسُهُمْ

عادوا إلينا ويا للخَطْبِ مِنْ جَلَلِ

مجاعة الأمس لم أضرب لها مثلاً

فها هي اليوم لا داعٍ إلى المثلِ

والشعوذاتُ التي هلّت تمائمها

الشعوذاتُ، ولن أحكي ولا تَسَلِ

انظر بعينك: نفسُ الرزءِ وا أسفا

نفسُ الوباء وذاتُ الدَّاءِ والعِللِ

همُ الوباء، وهل هم غير أوبئةٍ

والعلةُ الأمُّ مَن قالوا "عِيَالُ عَلِيْ"

هم علة الدين مهما ــ زوراً ــ انتسبوا

وشقوة العيش هُم، هُم ضَيْقَةُ السُبلِ

يا لعنة الله فوري في قرارتهم

ولتكْبِتِيْهِمْ بلا ريثٍ ولا مَهلِ

حميدهم بل ذميمُ الدين أَرْذَلُهُ

وبدرهم ذا مُحاقٌ، قطُّ لم يَهِلِ

هُمْ سَوْءَةُ الدهر، أيْنَ القَرْدَعِيُّ؟ ولا

شُلَّتْ يَمِيْنُ الهُمامِ القَرْدَعِيْ البطلِ

أَيْنَ اللُقَيَّةُ والعُلُفِيُّ أَيْنَ هُمَا؟

والهِنْدَوَانةُ يا من بالثلاثة لي

هلْ ماتَ في أرضِ قَحْطَانٍ مَثِيْلُهُمُ؟!

كلا ولا، إن سيفَ الحقِّ لم يَفِلِ

هَذي الدِّمَاءُ دِمَاءٌ كلما هَطَلَتْ

ماءً طهوراً فيا أرضي به اغتسلي

هي الدماء التي اهتزت بها وربت

أرضُ اليَمَانِيْنَ بالزِلْزَالِ لا الزلَلِ


رحم الله شهيد سبتمبر، قيل الشهداء الأكبر خالد الدعيس الذي اختار الانتماء للأرض والهوية والتاريخ وكبرياء اليمن العظيم.

د. ثابت الأحمدي