آخر تحديث :الإثنين-31 مارس 2025-04:15ص

فوضى الشهر المحذوف وصعوبة انتشاله

الثلاثاء - 11 مارس 2025 - الساعة 02:39 ص

نشوان العثماني
بقلم: نشوان العثماني
- ارشيف الكاتب


التقويم الهجري، كما نعرفه اليوم، تقويم قمري خالص يستند إلى دورة القمر حول الأرض، فتتكون السنة على إثره من 354 أو 355 يومًا مقسمة على 12 شهرًا قمريًا. لكن ما يجهله الكثيرون أن هذا التقويم لم يكن في الأصل بهذه الصورة المرتبكة، بل شهد في بداياته مسارًا أكثر انتظامًا عبر استخدام "الشهر الكبيس" أو "النَّسيء"، وهو الشهر الـ يُضاف كل ما يقارب ثلاث سنوات (أو على وجه الدقة كل 32 شهرًا أي كل سنتين وثمانية أشهر) لموازنة الفرق بين السنة القمرية والسنة الشمسية، ما ساعد على ضبط الفصول والمناسبات الدينية والزراعية.


أصل الشهر المحذوف (النسيء)

قبل الإسلام، اعتمد العرب على تقويم قمري شمسي، حيث كانت السنة تتألف من 12 شهرًا قمريًا، لكنهم كانوا يضيفون شهرًا يسمى (النسيء)، بهدف التوفيق بين السنة القمرية (354 يومًا) والسنة الشمسية (365 يومًا). هذه الإضافة، كانت تضمن أن يبقى موسم الحج والمواسم الزراعية في أوقات ثابتة من السنة، ما أتاح استقرارًا في إدارة الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية.

[هناك عشرة أيام أو أحد عشر يومًا مفقودة كل عام قمريًا، ما يعني 30 يومًا تقريبًا كل ما يقارب ثلاث سنوات، وهو ما يناسب إضافة شهر كامل، لذلك من الصعوبة إضافة عشر أيام كل سنة؛ لأن المسألة متعلقة بحركة القمر التي تستلزم 30 أو 29 يومًا، والأمر شبيه في التقويم الشمسي باليوم الكبيس المضاف لشهر فبراير كل أربع سنوات لتعويض الساعات المفقودة سنويًا -يمكنكم قراءة تفصيله في الرابط أدناه- ومع ذلك هناك بعض الأيام الزائدة قمريًا، بواقع يومين أو ثلاثة رغم الكبس، ما يستلزم مثل هذا الشهر الكبيس ربما سبع مرات كل 19 عامًا.]


ومع مجيء الإسلام، وفي السنة التاسعة للهجرة، ورد في القرآن، إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ (التوبة: 37)، فُفهم الأمر على أنه تلاعب بعدد الأشهر القمرية، وتم تحريمه، (ويُقال حُرِّم لاحقًا قلدهم الله). ولم يكن الإلغاء مجرد مسألة دينية، بل كانت له آثار كارثية على النظام الزمني.


هذا الإلغاء أدى إلى فصل التقويم الهجري عن الدورة الشمسية تمامًا، ما جعل الأشهر القمرية تدور وتتخربط خلال الفصول الأربعة على مدى 33 سنة، بحيث لا يعود أي شهر هجري إلى موقعه الطبيعي في السنة الشمسية؛ (وضابط الفصول هو حركة الأرض حول الشمس). وكانت لهذا القرار عواقب ملموسة على الاقتصاد والزراعة والتقويم الديني، وأصبح موسم الحج على سبيل المثال يتنقل بين حر الصيف وبرد الشتاء، ما أدى إلى معاناة الحجاج وتذبذب الاستفادة الاقتصادية المرتبطة بالحصاد وموارد المياه. إلى جانب فقدان المواسم الزراعية انتظامها، بعدما شذ التقويم القمري عن مماشاة الدورة الزراعية الطبيعية.


وعلى المستوى الديني، أدى الاختلال إلى حالة الفوضى في تحديد المناسبات، ولم يعد لشهر رمضان أو موسم الحج علاقة مباشرة بمناخ أو موسم ثابت، ما تسبب في مشقة دائمة للمسلمين، خاصة في المناطق الحارة أو شديدة البرودة. (أي أن استعادة الشهر المحذوف سيعمل على توحيد ساعات صيام المسلمين أينما كانوا دون اختلال ساعات القطب الشمال عن دار سعد.)


صعوبة الانتشال

إصلاح التقويم الهجري اليوم يواجه عقبات هائلة، بعضها ديني وبعضها سياسي؛ لأن إعادة إدخال الشهر الكبيس (النسيء) ستُفسَّر من قبل المؤسسات الدينية على أنها مخالفة صريحة للنص القرآني، رغم أن الإجراء في حقيقته سيكون مجرد استعادة لنظام طبيعي يعيد للتقويم انسجامه مع الدورة الشمسية، ويمكن للنص أن يُفهم في سياق آخر. وعلاوة على ذلك، قد تواجه أي محاولة إصلاحية رفضًا سياسيًا من بعض الدول الإسلامية، التي تتبنى التقويم الهجري القمري في الشعائر الدينية، وربما يُنظر إلى أي خطوة في هذا الاتجاه على أنها مساس بالهوية الإسلامية.

آه، أين أنت يا حمادي؟


ورغم هذه الصعوبات بتقديري، يمكن التفكير في حلول وسط بغية التوازن بين المتطلبات الدينية والعملية. وأحد الحلول الممكنة تبني "التقويم الهجري المُصحَّح"، عبر الإبقاء على السنة القمرية ذات الـ 12 شهرًا، مع إضافة شهر كبيس (من 29 أو 30 يومًا) كل ثلاث سنوات أو ما يقاربها كما كانت من قبل، دون اعتبار هذا الشهر جزءًا من الحساب الديني. ويمكن أن يسمى "شهر التصحيح" أو (شهر حُمادَى، وليس حُمادِي، أي على وزن جُمادَى)، بحيث يُستخدم في المجالات المدنية والإدارية والاقتصادية فقط، بينما تستمر الشعائر الدينية وفقًا للتقويم القمري.


والبديل الآخر اعتماد التقويم المزدوج؛ هجري قمري للمناسبات الدينية، وقمري شمسي للمجالات المدنية، كما هو الحال في التقويم العبري الذي يدمج بينهما.


إلغاء النسيء كان خطأ استراتيجيًا في إدارة الزمن، أدى إلى اضطراب مستمر في التقويم الهجري. والحل ليس في تجاهل النص القرآني، بل في فهمه وفهم طبيعة المشكلة الزمنية وإيجاد صيغة توافقية بين الممارسة الدينية والحاجة إلى انتظام زمني يتماشى مع النظام الطبيعي في ضبط الفصول.

إصلاح التقويم الهجري وانتشال الشهر المحذوف من بين الأنقاض ضرورة تاريخية وحضارية، حتى وإن تحول الأمر إلى معركة معقدة في مواجهة الفكر الديني التقليدي.