آخر تحديث :الأربعاء-26 مارس 2025-05:37ص

لا كافر.. فقط إنسان يختار

الثلاثاء - 25 مارس 2025 - الساعة 02:46 ص

نشوان العثماني
بقلم: نشوان العثماني
- ارشيف الكاتب


في هذه الحياة، وفي ثقافة المواطنة، لا يوجد إنسان كافر.

أكرر: لا يوجد إنسان كافر.


في الفكر السياسي للدولة ومنحاها الثقافي، الكل إنسان، والجميع مواطنون.

الحياة مختلفة عن الإيديولوجيا؛ لأنها تضم كل المشارب والتعددات، فإذا ما انحرف كل هذا التنوع نحو مسار التمييز لن ينجو أحد، بل لن يستقيم عيش، ولن يهدأ بال.


فما الموجود إن لم يكن هناك إنسان "كافر"؟

يوجد إنسان اختار طريقًا يختلف عن طريقك، وهذا حقه الطبيعي، لا هو كافر ولا أنت مؤمن. أنت إنسان وهو إنسان.

ولكل إنسان الحق في تحديد مساره الفكري والروحي، طالما أنه لا يمارس العنف أو يفرض قناعاته بالقوة على الآخرين.

هذه الحقيقة البسيطة تصطدم بمفهوم "الكفر" في الفكر الإسلامي التقليدي، الذي لا يقف عند حدود التصنيف العقائدي فحسب، بل يمتد إلى نتائج عملية خطيرة تنتهك كرامة الإنسان وحقه في الاختيار.

فلا يقال تبسيطًا وبخفة: لا إشكال، فأنت كافر بمعتقده وهو كافر بمعتقدك وانتهى الأمر.

لا.

المسألة ليست كذلك.

فحين يُقال لشخص ما أنه "كافر"، فإن العبارة ليست وصفًا محايدًا أو دينيًا مجردًا، بل محملة بإرث فقهي واجتماعي ثقيل.

في السياق الإسلامي، الكفر ليس فقط حالة فكرية بل حالة قانونية ودينية تترتب عليها مواقف حاسمة تجاه الإنسان المصنَّف بها.

إذا كان الشخص مسلمًا، فاتهامه بالكفر يعني اتهامه بالردة، وما يستتبع ذلك من دعوات الاستتابة أو حتى القتل في بعض التأويلات الفقهية.

والردة في التصور الإسلامي ليست خروجًا فكريًا فحسب، بل جريمة دينية كبرى تستوجب العقاب.


وإذا ما كان الشخص غير مسلم، فتصنيفه بالكفر يعني وضعه في مواجهة الخيارات الثلاثة المعروفة، اللا تتفق اليوم والكرامة الإنسانية، واللا تعني اعترافًا بالاختلاف أو قبولًا بالتعددية، بقدر ما تعني ممارسة سلطوية تهدف إلى إخضاع الآخر أو تحييده بالقوة. (وذاك من دأب القرون الخوالي.)


هذا التصور القمعي للكفر والكافر يعكس أزمة أعمق في الفكر الإسلامي التقليدي، حيث يُنظر إلى الإيمان والكفر من زاوية القوة والسيطرة لا من منظور الحرية الفردية.

والإيمان، وفقًا لهذا التصور، لا يتحقق إلا في إطار الامتثال والخضوع، والكفر يستدعي بالضرورة الإقصاء أو العقوبة. هذه النظرة تُفرغ فكرة الإيمان من بعدها الروحي العميق، وتحولها إلى أداة سياسية واجتماعية للتحكم في الناس.


من هنا، فإن نقد مفهوم الكفر ليس ترفًا فكريًا أو محاولة لمجاملة التيارات الحداثية، بل هو ضرورة أخلاقية وإنسانية.

ويجب أن يكون الموقف واضحًا لا لبس فيه.

لا يمكن القبول بمفهوم يمنح أحدهم الحق في إلغاء وجود الآخر لمجرد أنه لا يؤمن بالأفكار نفسها.

الإيمان خيار شخصي، واللا إيمان (وليس الكفر) - من حيث كونه حالة فكرية - لا يمكن أن يتحول إلى أداة لإنتاج العنف والإقصاء.


أي محاولة لتلطيف هذا المفهوم أو ترقيعه عبر خطاب تصالحي زائف ليست سوى هروب من مواجهة جوهر الأزمة. والمشكلة ليست في تفسير خاطئ للكفر، بل في أساس المفهوم نفسه، الذي يُصنِّف البشر على أساس إيمانهم، ثم يمنح هذا التصنيف شرعية لإقصائهم أو محاربتهم. وحديثنا هنا مما تقتضيه الحياة المشتركة وفكر الدولة.


الإنسان هو إنسان قبل أن يكون مؤمنًا أو غير مؤمن.

كرامة الإنسان لا تُستمد من إيمانه، بل من إنسانيته.

لذلك، يجب تفكيك مفهوم الكفر من جذوره في المساحة الواسعة للحياة وفي ظل التعدد واللقاء المشترك، ليس عبر إعادة تفسيره أو محاولة تكييفه مع قيم الحداثة، بل عبر رفضه كمفهوم يشرعن العنف والإقصاء.

الإيمان واللا إيمان مسألتان شخصيتان، لا يحق لأي سلطة دينية أو اجتماعية أن تجعلهما أداة لتصنيف البشر أو التحكم في مصائرهم.


لا يوجد إنسان كافر.

يوجد فقط إنسان يختار، وهذا حقه الكامل الذي لا يقبل التفاوض أو التسوية.