عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيما رواه مالك في الموطأ، أنه لما حَمى حِمى الربذة، قال لمولاه هاني الهمداني الذي أولاه على الحمى: (وأيم الله، إنهم ليرون أني قد ظلمتهم، وإنها لبلادهم قاتلوا عليها في الجاهلية، وأسلموا عليها في الإسلام، والذي نفسي بيده، لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت عليهم من بلادهم شبرا).
ومما يندرج في هذا المقصد أنه ليس لولي الأمر منع أصحاب الرأي من إبداء آرائهم ولو كانت موجهة للحاكم نفسه، إذا كانت للنصح والتوجيه والإرشاد، ولحماية مصالح البلد...
بل الأعظم من ذلك أن يطلب ولي الأمر نفسه النصيحة من أصحاب الرأي في دولته، وله في أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أسوة في ذلك، حيث قال رضي الله عنه لأصحابه: “من رأى منكم في اعوجاجآ فليقوّمني”.
ولعل هذه المقولة هي التي جعلت المفكر الفرنسي غوستاف لوبون يقول: (إن العرب أول من علّم العالم كيف تتفق حرية الفكر مع استقامة الدين).
و ساحاول في هذه العجالة الإجابة عن كيف طورت سلطة تعز الانتقامية المستبدة - من أساليبها في ملاحقتنا و محاصرتنا؟!؟ و كيف أخضعت بعضنا واذلتهم عندما وفرت كل أسباب المعاناة والألم ؟!؟
ربما لم يعد ما يسمح باعتقال الصحفي لأنه يثير حفيظة المنظمات الدولية، وهو ما تخشاه السلطة اليوم في الإساءة إلى سجلها الملطخ اصلآ ( بالفشل و الفساد)...
في ظاهر الأمر. تحولت السلطة المستبدة إلى أساليب جديدة للتضييق علىناة دون اقتراف ما يمكن أن يضعها في موضع المخل بحرية الصحافة وحقوق الإنسان. وهذا لا يعني أنها لا تعتقلنا ، لكنها تحاول تجنب ذلك إذا ما توفرت أساليب أخرى تحقق ذات النتيجة..
يكفي السلطة المستبدة أن تحرض طرفآ ما أو أن تقوم بالأمر بنفسها بتهمة كيدية مظلله للحقيقة والعدالة معآ من خلال رفع قضية ضد الصحفي. ..
لدى السلطة الانتقامية حزمة كبيرة من القوانين التي أنتجها نظام غير ديموقراطي وفصلها لخدمتها وأصحاب النفوذ. يساعدها أسطول من أجهزة الأمن المتأهبة لمراقبة الصحفي وملاحقته،....
وفوق ذلك قدرة السلطة على المناورة لفترات طويلة (النفس الطويل)، والصبر لسنوات في المتابعة القانونية والقضائية لإنهاكنا . ربما تدرك السلطة أنها لن تسجن احدآ منا في نهاية المطاف، لكن يكفي أن تقحمنا في دوامة المحاكم، ومتابعة المحامين، والانتظار لساعات في جلسة محكمة قد تؤجل. وإذا ما تخلف أحدنا عن الحضور، جلبته المحكمة بالسلطة القهرية. يستمر الأمر لأشهر وربما لأعوام، ينشغل فيها الصحفي عن وظيفته ويدرك في أعماق نفسه أنه لا طائل من الاقتراب من السلطة الجائرة وتجشم عناء التوتر، و هواجس الإدانة.
في حقيقة الأمر أساليب إنهاك الصحفيين وإخضاعهم كثيرة لا تنتهي. قديمة جديدة مادامت السلطة مستبدة تخشى من حرية الصحافة، وتسعى من خلال سيطرتها على الصحافة إلى السيطرة على الرواية السائدة في المجتمع، وستر الانتهاكات و الفساد.
انا شخصيآ حركة ضدي السلطة القمعية في اسبوع واحد دعاوي قضائية ، وثلاثة تعسفات أدارية ، لك أن تتخيل كيف يمكن أن يواجه الصحفي ملاحقات مرهقة ،وتعسغات جائرة تتطلب جهدآ قانونيآ، واستنزافآ ماديآ، وقبل هذا وذاك ضغطا نفسيآ...
العيش مع ترقب السجن، أو مضايقة العائلة أعباء نفسية تزعزع من قدرة الصحفي على الصمود لفترة طويلة. يصبح الصحفي وحيدا في مواجهة آلة تمتلكها السلطة ، وإمكانيات كبيرة لإنهاك الصحفي، وإخضاعه في نهاية المطاف
لا تكتفي السلطة المستبدة بالطاعة العمياء . يجب إخضاع الصحفي وإذلاله إذا لزم الأمر. ، مؤخرآ تحولت السلطة القمعية إلى أساليب جديدة للتضييق على الصحفيين تمامآ كما حدث معي الاستغناء عني نهاييآ وتخيري بين أحد أمرين( الأول) أن اغادر محافظتي تعز نهاييآ الي محافظة مأرب ، أو ( الثاني ) أن أقبل بأن امتهن التطبيل مقابل نقلي إلي إحدي مديريات الساحل الغربي النائية كما حرص أحدهم أن يهمس في اذني قائلا لعند عمك طارق عفاش .
وقبل أن اختم اقول لكل صحفي حر شجاع : أنت الصوت الذي لا يتوقف عن الأنين بالحق، إن واجبك اليوم ليس فقط نقل الخبر، بل استنهاض الهمم ورفع راية الحق عالياً في زمنٍ طغت فيه الأكاذيب وازدادت فيه الشائعات. أنت الجندي الذي يحمل سلاح الكلمة، وأنت المدافع الأول في معركة الوعي، لا أقل شأناً عن أولئك الذين يقفون على الجبهات!
مترسك اليوم هو حسابك و هدفك الأسمى هو رضا الله، فلتكن كلمتك سلاحًا في مواجهة الفساد ،والارهاب الحوثي ، ولا تهاب من تلك الهجمات المسمومة التي تهدف إلى تشويه الحقائق. اعلم أن ما قد تواجهه من تحديات وتعسفات ليس إلا جزءًا من المسار الذي اخترته،
لا تقتصر مهمتك على تعرية كل فاسد ومفسد ، بل كن نموذجًا يُحتذى به، وتدعو الآخرين إلى الصلاح. كلمتك يجب أن تكون موزونة، تسعى في كل حرف منها إلى هداية الناس إلى ما هو أفضل، إلى ما هو أكثر صدقًا ونبلًا، إلى الطريق الذي يرضي الله وحده.
كن مع الحق، وكن متواضعًا، ، بل انت مثالٌ للصلاح، ، فلا تكن متعاليًا أو مغرورًا؛ فالحكمة تأتي من معرفة ضعفنا وقوة إيماننا، والصدق يأتي من التواضع في الحوار.
تذكر دائمًا أنك لا تقل أهمية عن الجندي الذي يقف في ساحة القتال، الكلمة قد تكون أقوى من الرصاصة في كثير من الأحيان، فاجعلها أداة خير، وسلاحًا لمقارعة الباطل في كل وقت وحين ،اعمل لرضا الله، وكن على العهد، ولا تلتفت إلى المحبطين أو الجبناء،
" والله غالب علي امره "
( محرم الحاج )
( محرم الحاج )