آخر تحديث :الإثنين-31 مارس 2025-04:15ص

اللهم افضح من وليتهم أمرنا ولا تسترهم

الجمعة - 28 مارس 2025 - الساعة 02:58 ص

محرم الحاج
بقلم: محرم الحاج
- ارشيف الكاتب


عساها ليلة قدر تلبي دعاء المبتهلين "اللهم افضح من وليتهم أمرنا ولا تسترهم حتى يتبين الخبيث من الطيب".


من الأخبار التي يتكرر سماعها يوميآ في محافظة تعز و يتداولها الناس شفاهة إقالة رموز السلطة المحلية ، و بعض المدراء العامين ، و إحالة عدد من الموظفين الحكوميين إلى القضاء بتهمة الفساد، بعد فشلهم في تحقيق أي شيء يمكن أن يشفع لهم ، خلال المهلة الرئاسية التي منحت لهم .


حيث لا يخف على أحد أن الفساد منتشر انتشار الفطر, وقد أصبح -مع الزمن- وباء مستشريآ ينخر خلايا المجتمع كافة، و بشكل خاص مؤسسات الدولة ودوائرها.


أولى صور الفساد المستشري في تعز الاستيلاء على المال العام عبر التلاعب في المشتريات وأعمال المخازن والمهمات، وأيضا المبالغة في أوجه الإنفاق الحكومي ، مرورا بتمرير الاتفاقات والعقود لقاء عمولات خاصة ومجزية يقبضها القائمون على تنفيذها.


ويندرج أيضا التلاعب في إرساء المناقصات والمزايدات الحكومية على من يعطي أكثر، ومن ثم تلقي الرشاوى كي يتم غض النظر عن تجاوزات القانون أو لتسهيل حركة المعاملات في الدوائر الرسمية، ثم استخدام المركز الحكومي -تهديدا وابتزازا- لجني ما يمكن جنيه من أموال من المواطنين رجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال و المتاجر.


ومن الممكن أن نفهم ونفسر - و ربما يبرر البعض- رشوة شرطي المرور مثلا أو مراسل المعاملات الرسمية نظرا للظروف المادية الصعبة التي يعيشها أمثال هؤلاء الموظفين الحكوميين بأجور لا تضمن الحد الأدنى من حاجاتهم والحاجات الحيوية لأسرهم، كالطعام واللباس والصحة والتعليم.


غير أن الأمر يغدو خطيرآ ومثيرآ للقلق والاشمئزاز في آن واحد عندما ترى كيف يستغل المنصب الحكومي لتمرير وإبرام صفقات غير مشروعة، وكيف تصبح السلطة وعاء لتجميع الثروة وتكديسها من خلال اقتطاع أو تحويل جزء من الأموال العامة لحساب هذه الشخصية الحكومية أو تلك دون اعتبار لمصالح الوطن والمواطن أو لخطط التنمية الاقتصادية العامة ومستلزماتها.


والأسوأ من كل ذلك عندما ترى كيف تصبح قيم الفساد أحد شروط اختيار الأفراد لتولي المسؤوليات، وكيف تغزو هذه القيم العقول والضمائر، فتغدو في الثقافة الشعبية مظاهر إيجابية تدل على الشطارة والحنكة والذكاء، في مواجهة القيم النبيلة -قيم الحق والشرف والنزاهة والعدل- التي يروج على أنها سمات الشخصية الضعيفة والساذجة وقليلة الحيلة.


وما ينفطر له القلب ويثير الشجون والألم، أن هذا المرض الخبيث قد التهم -فعلا- الاجهزة الرقابية ، ليس بسبب ضعف الحماية الموضوعية لضمائر منتسبيها وقيمهم في ظل تردي أجورهم ومستويات معيشتهم، وإنما بسبب تلك العلاقة الخاطئة والمرضية التي عرفتها تعز خلال عشر سنوات خلت، بين هذه الأجهزة والسياسة.


في ضوء ما سبق ، يمكن القول إن الفساد في اليمن عمومآ وتعز خاصة ظاهرة سياسية بامتياز، ومعالجتها لن تكون مثمرة وناجحة إلا عندما تكون -أولا وأخيرا- معالجة سياسية...


ما يعني أن حملات مكافحة الفساد مهما اشتدت هجماتها ومهما قست العقوبات الرادعة بحق الفاسدين والمفسدين، ليست أكثر من مسكنات ألم تخفف من آثار المرض ولا تعالج أسبابه.


وهي لن تؤتي أكلها، بل لن تجدي نفعا في حل هذه المعضلة حلا شاملا، واستئصال شأفة الفساد وجذوره الضاربة عميقآ في المجتمع والدولة، طالما يتم التغاضي عن المناخ السياسي العام، مناخ الاستثناء والتسلط الذي نما الفساد فيه وترعرع ووصل إلى ما وصل إليه اليوم.


هذا الأمر يقودنا إلى تلمس الضرورة الملحة لرفع حالة الطوارئ وإعادة العلاقة الطبيعية بين السلطات الثلاث التنفيذية والقضائية والتشريعية، بما يفسح المجال لفصل القضاء عن المصالح السياسية، ويهيئ التربة المناسبة لنمو دور القضاة الطبيعي في تكريس سيادة القانون وقيم الحق والخير والعدل في المجتمع جنبا إلى جنب، مع ضرورة إشاعة الحريات العامة في البلاد، وبشكل خاص حرية اختيار الأكفاء والمنزهين عن الأغراض الشخصية للمناصب العامة.


وأيضا بمناخ الحريات يمكن منع السرية في تداول الوثائق والمستندات وضمان تدفق المعلومات والشفافية وكشف الغموض الذي يلف شبكات الصفقات المشبوهة. ثم مع حرية التعبير والرأي والنشاط السياسي يمكن إرجاع الناس للمشاركة في إدارة شؤونها العامة وتقوية المجتمع المدني وإحياء دوره في مراقبة أداء مؤسسات الدولة ومحاصرة أي سلوك لمسؤول أو ممارسة تتجاوز الصلاحيات العامة.


إضافة إلى ذلك تقف في سلم الأوليات ضرورة تحرير الصحافة وإطلاق دورها دون حسيب أو رقيب، لنشر ثقافة النزاهة والضمير في مواجهة ثقافة الفساد وقيمه، ولتعرية ومطاردة كل مظاهره المكشوفة والمستترة مهما بدت صغيرة وتافهة.

" والله غالب علي امره "

( محرم الحاج )

( محرم الحاج )