آخر تحديث :الأحد-20 أبريل 2025-01:04ص

في معنى النضال والمناضلين وأشياء أخرى

الأحد - 20 أبريل 2025 - الساعة 12:59 ص

د. قاسم المحبشي
بقلم: د. قاسم المحبشي
- ارشيف الكاتب


( أنا مناضل وطني)👇🏾


في معنى النضال والمناضلين وأشياء أخرى


نضل، نضال، ناضل، مناضل، مناضلة، للنناضل، مناضل وطني ، مناضل ثوري، مناضل سياسي جمعها مناضلين، أو مناضلات الخ من المردفات التي شاعت في حياة الناس ومحادثاتهم منذ أكثر من نصف قرن من الزمن لا سيما في جنوب اليمن إذ أتذكر أنني سمعتها وقرأتها في طفولتي بوصفها ايقونة وتعويذة ايديولوجية (مقدسة) مثلها مثل البسملة التي يستهل بها الناس كل تعويذة أو حديث أو كتابة رسمي أو شخصي. ازدهرت في الأدبيات والخطابات اليسارية من منتصف القرن الماضي لاسيما في ( عدن الجمهورية الاشتراكية الديمقراطية) كانت تكتب على الجدران وفي البرات وفي دفاتر المراسلات الرسمية الحزبية والإدارية وفي مانشتات الصحفة

( لنناضل من أجل الدفاع عن الثورة اليمنية وتنفيذ الخطة الخمسية وتحقيق الوحدة اليمنية)

تلك العبارة المصاغة بعناية سياسية كانت شعار المرحلة. كنا نرددها بخشوع وإبتهال في مستهل النشيد الوطني بالمدارس الابتدائية كل صباح نهار دراسي جديد بما تحمله من شحنة ايديولوجية بالغة الأهمية والمعنى ولا غضاضة في ذلك أبدا إذا كانت متسقة مع الممارسة العملية في واقع الحياة العامة ربما كان للكلمة فعل السحر في بداية الأمر بقدرتها على حشد جهود الجماهير الشعبية وحدثهم للانخراط في المبادرات الطوعية المتمثلة بشق الطرقات وبناء المدارس وحفر الأبار وحماية المؤسسات العامة والدافع عن السيادة الوطنية .الخ ربما رحل معظم أفراد الجيل الذين صنعوا احداثها وشاركوا في إنجاهزها إذ من المؤكد أن أنهم قد حلموا بعكس ماجرى! فما أجمل الحلم وما أصعب الواقع. كان الواقع الاجتماعي والثقافي شديد التخلف والقسوة في معظم بلاد اليمن شماله وجنوبه.

كان الحماس الثوري بما يشيعه من سحر رومانسي هو الغالب في تلك اللحظة التأسيسية للدولة الوطنية المستقلة لتوها عن الاستعمار البريطاني، هذا الحماس الثوري المرتبط بمعنى الثورة والنضال كان يجب أن يختفي بمجرد استلام الثوار مقاليد السلطة الوطنية المستقلة ؛ لحظة تحويل الثورة إلى مؤسسة جامعة للكيان الوطني مؤسسة المؤسسات الحامية والضامنة للناس والسيادة- اقصد الدولة في معناها الواسع بوصفها هدف وغاية كل ثورة سياسية أو تحررية-

للأسف الشديد اختفت الثورة والجمهورية والوحدة اليمنية ولا تختفي تلك الكلمات والصفات الايديولوجية( النضال والمناضل والمناضلين) التي صار الناس يطلقونها هذه الأيام على كل من هب ودب من المهرجين والمطبلين والمعتوهين( فلان مناضل، المناضل الوطني) صفة يتم إلصاقها باسماء اشخاص ليس لديهم ما يبررها أبدا إذ إن معناها هو ( التضحية بالجهد والوقت والمال والنفس من أجل الصالح العام أو التفوق في ميادين العمل والتنمية والإنجاز أو اجتراح بطولات قتالية نادرة " نَضَلَهُ: سبقه وغلبه في الرِّماء، ناضلَ عن / ناضلَ من يناضل ، مُناضَلةً ونِضالاً ، فهو مُناضِل ، والمفعول مُناضَل عنه

نَاضَلَ عَنْهُ : حَامَى وَدَافَعَ عَنْهُ

نَاضَلَ : كَافَحَ، دَافَعَ، حَامَى

نَاضَلَ فلاناً: باراه في الرَّمي والنضل: السبق ، بذل الجهد للتفوق في نحو المسابقات ، للتفوق على الأقران وإثبات الذات " (ينظر، لسان العرب)

في زمننا هذا وحدهم الشهداء هم الذين يستحقون الكلمة ( مناضل) مناضلون. أم إن يستخدمها كل من هب ودم بدون أي تفوق أو تميز أو إنجاز بل إن بعض من تطلق عليهم لا يصلحون أبدا بأن يكونوا مثل عليا للاقتداء من الاجيال الصاعدة. اكتب هذه لأنني أعرف ماذا يعني إطلاق تلك الصفة على من لا يستحقونها أبدا. انها تجعل اكثر الأطفال والشباب تميزا وذكاء ينظرون من تطلق عليهم كلمة ( مناضل) بإعجاب وتبجيل ويرون فيهم مثُل عليا للنجاح والتميز ويحاولوا الاقتداء بهم في درب النضال (الزائف) المؤدي إلى الحصول الفرص والسلطة والمال والنفوذ والقوة والسطوة كما هو حال اليوم مع جموع المناضلين الذين يعبثون بكل شيء لانهم مصدقين انفسهم بانهم (مناضلون )

طالما والناس تدعيهم بهذا الصفة التي يجب حصرها فقط بالشهداء الأبرار. وما عداهم يجب معاملتهم بحسب قدراتهم وكفاءتهم ومواهبهم نجاحاتهم الحقيقية في مجالات نشاطهم التي حققوها بجهودهم الذاتية وبعرق جبينهم ولا عبر ممر النضال السحري الذي ما بان له لا طرف ولا تال😳 اقترح الكف عن استخدام هذه الكلمات الكبيرة الفضفاضة التي تضخم ذوات بعض الأشخاص وتجعلهم ينفشون ريشهم على الأخرين بوصفهم مناضلين وهم الستّار الله😹. ادعوا الناس من النوع الاجتماعي باسماهم وشجعوا المتفوقين والموهوبين والمخلصين والمبدعين في مختلف مجالات النشاط والإبداع، شجعوا الكفاءات العلمية والمعتدلين والمحترمين والمنتجين ؛ شجعوا الموهوبين والمجتهدين الذين يستحقون التشجيع والتعزيز الجدير بالقيمة والتنمية والاعتبار. كفوا عن تشجيع الهرجلة والرثاثة والهنجمة والوقاحة والسفاهة والعنطزة والفهلوة والكذب والتزوير والجهل والغباء والتشدد والتعصب والتطرف والعنف والإرهاب. شجعوا كل القيم والنماذج الايجابية وكفوا عن تشجعين القيم والممارسات السلبية. فهمتوا مرامي؟ قال مناضل وطني قال🤔

إذ أن بناء وتأسيس الدول لا يقوم ولا يدوم إلا على أساس الشراكة المجتمعية التي تقوم على قوة الحق؛ حق كل مواطن في أرضه ووطنه بغض النظر عن مواقفه واتجاهاته السياسية والأيديولوجية، والدين لله والوطن للجميع!

ربما كانت المعضلة الجوهرية في المجتمعات التقليدية المساواتية الانقسامية تكمن في الصراع الدائم على السلطة السياسية بعكس المجتمعات التدرجية حيث كل طبقة من طبقات المجتمع تعرف حدود قدرتها وحقوقها. في المجتمعات المساواتية التي يعد فيها كل فرد من افراد المجتمع المتعين على درجة متساوية مع معظم افراد مجتمعه في الحسب والنسب العشائري والقبلي أو القروي المناطقي بمعنى لا لا احد افضل من غيره. كلنا عيال تسعة! كما يقولون. في هذا المجتمع المساواتي عند الوضع الأصلي تكون البنية الانقسامية جزءا جوهريا من نسيجه التقليدي طبعا؛ هويات ومرجعيات دائرية اشبه بالقنبلة العنقودية( عائلات، عشائر، قبائل، قرى، مناطق، جهات، طوائف، مذاهب ، ملل، نحلل، حارات، شوارع، مدن..الخ من اشكال التجمعات السكانية التي توجد بجانب بعضها بعضا لا مندمجة ولا منفصلة. تجمعها رغبة العيش المشترك في أرضها التي وجدت نفسها تنتمي اليه وتحمل أسمها. وقد كانت ولا زلت السلطة السياسية مشكلة عويصة في كل مكان وزمان ولا توجد غير ثلاثة خيارات مجربة لضبطها وتداولها بحسب عالم الاجتماع الفرنسي ماكس فيبر وهي : الوراثة كما هو حال الممالك والسلطنات التي تتوارث الملك والحكم بين الأجيال بوصفها حقا طبيعيا . والقوة بالقهر والإخضاع كما هو حال الغزاة والطغيان والاستبداد بمعنى الحكم بقوة السيف والساعد والثالثة هو الديمقراطية العلمانية وهي افضل الطرق المجربة أو التقنيات المبتكرة لحل معضلة السلطة بالتداول السلمي في معظم الدول المستقرة. وانا أتأمل في حال مجتمعنا اليمني لاحظت ظاهرة غريبة جدا إلا وهي إن مشكلة السلطة وأدارة الشأن العام هي اخطر المشكلات التي تحتدم حولها المعارك منذ اقدم العصور ومع ذلك لازلنا نتعامل معها بلا جدية ولا اهتمام ولا مسوولية حقيقية. حتى المعايير الشكلية البسيطة التي ممكن أن تخفف من حدة الصراع على السلطة وتفننها - اقصد المساواة في توزيع الفرص بين الفعاليات والحساسيات الاجتماعية القائمة بحسب الحجم والقوة والوزن والمكانة وبحسب الشهادات العلمية والتخصص والكفاءة والخبرة والسمعة النجاح المهني وغيرها من المؤشرات والمعايير الشكلية حتى هذه يتم تدميرها بغباء لا مثيل له يقود الجميع إلى التهلكة دئما في دورات متكررة من الحروب والنزاعات والتمردات والثورات المرهقة.


اكرر أن الدولة بوصفها مؤسسة المؤسسات الوطنية الجامعة هي البيت السياسي المشترك للموطنين القاطنين في مكان وزمان متعينيين بينما السياسية هي اللعبة التي يمارسها سكان البيت في الصراع على عناصر القوة؛ السطلة والثروة والوظيفة العامة والجاه والتمثيل . الخ. فاذا لم تأسس الدولة على أساس تعاقدي دستوري مدني يكفل حق متساوي لجميع المتعاقدين في العيش الكريم والوصول والحصول على الفرص فمن العبث الحديث عن السياسة ونتائجها.

اليمنيون جنوبا وشمالا عجزوا عن تأسيس بيتهم السياسي المشترك (الدولة)فصاروا يتصارعون في الشارع على الجثة المتعفنة. وصراع الشوارع لا حكم عليه ولا معيار له. حرب الجميع ضد الجميع! فمتى يكف المناضلون عن تدمير مستقبل الأجيال القادمة في اليمن المختطف؟!


✍🏻تنوية👇🏾لولا احتفاظي بهذا الصورة النضالية المبكرة من قبل أن يخلق بعضهم- لضاع كل نضالي الوطني في زحمة المناضلين الجدد الذين جاءوا في اللحظة الأخيرة✋🏼


مواطنون لا مناضلون؛ هذا هو المثل الأعلى لتأسيس الدولة المدنية العادلة. فهمتوني