آخر تحديث :الخميس-24 أبريل 2025-07:56ص

لماذا يجب الوقوف ضد/ورفض ما تُسمى عقيدة "الولاء والبراء"؟

الخميس - 24 أبريل 2025 - الساعة 02:11 ص

نشوان العثماني
بقلم: نشوان العثماني
- ارشيف الكاتب


لأنها أولًا جذر كراهية لا نبع محبة.

يجب أن تُرفض رفضًا قاطعًا لأنها تقوم على تصنيف الناس وفق انتماءاتهم الدينية لا وفق إنسانيتهم.

عقيدة تُنتج الكراهية، تُعزز الانغلاق، تقصي الآخر ولا تتعايش معه.

الإيمان لا يُقاس بكمية العداء التي يكنّها المرء للمختلفين عنه، بل بقدرته على المحبة، الرحمة، واحترام الإنسان كإنسان بصرف النظر عن دينه ومعتقده ولونه وأصله وفصله.

وإلا أي إيمان هذا؟


لا يمكن للوعي الإنساني أن يقبل اليوم بعقيدة تقوم على تقسيم الناس إلى فسطاطين: نحن وهم"، أولياء وأعداء، بناءً على الدين أو المعتقد.

لا للدين (أي دين) إن كان كذلك.

لا للعقيدة (أي عقيدة) إن كانت كذلك.


"الولاء والبراء" ليست مجرد فكرة دينية؛ إنها فكر مسموم يقوّض أسس العيش المشترك، ويزرع العداء في قلب الإنسان قبل أن يزرعه في العالم.

هذا جُرم يرتد ضد صاحبه في نهاية المطاف؛ إذ "النار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله".


إذا تبنّت كل ديانة هذا المنطق سيُحكم على البشرية بالتناحر الأبدي.

منطق كهذا لا يترك مجالًا للمواطنة، ولا لاحترام الآخر، ولا لفهم التنوع بوصفه إثراءً لا تهديدًا. هذه العقيدة لا تفرّق بين إنسان وإنسان بناءً على الأخلاق أو الفعل، بل على الانتماء، وهي بهذا تعيدنا إلى عصور ما قبل الدولة، ما قبل القانون، ما قبل الإنسانية.


نحن لا نعيش في كهف مغلق ولا على جزيرة معزولة.

أنت لست وحدك في هذا العالم، وإلهك -إن كنت تؤمن فعلًا أنه الإله الواحد- هو إله الجميع، لا حكرًا على طائفة أو ديانة دون غيرها.

إن كان إلهك يطلب منك أن تعادي الآخرين لا لشيء إلا لأنهم لا يشاركونك العقيدة ذاتها، فاسمح لي أن أقول لك: هذا ليس الله. حتمًا هذا ليس الله. حاشا أن يكون الله. هذه صورة مشوهة صنعها البشر لإله على مقاسهم، إله يشبه ضغائنهم، لا رحمة خالقهم.


الله -في وعي كل من عرفه حقًا- لا يشبه القطيعة، ولا يتنفس الكراهية.

الله محبة.

الله خالق الكل وضامن الكل، ومَن يتقرّب إليه عبر الولاء للذات والبراء من الآخر، فهو يعبده كما لو كان صنمًا قبليًا، لا روحًا جامعًا لكل ما هو حيّ.


أكرر: يجب رفض هذه العقيدة رفضًا قاطعًا دون أي استثناء من أي نوع.

يجب رفضها بوضوح، بصرامة، وهو رفض حاسم نابع من الإيمان المطلق بالكرامة، بالحرية، بحق كل إنسان أن يكون مختلفًا دون أن يُعادى أو يُقصى أو يُكفَّر.

لا يوجد إنسان كافر.

أكرر: لا يوجد إنسان كافر. يوجد إنسان اختار إيمانه ومضى خلف قناعته. (ولكل إنسان -كما نكرر دائمًا- الحق في كل اختيار باستثناء ممارسة العنف وتغذية خطاب الكراهية.)

وأي عقيدة تُربّي معتقديها على كراهية الآخر لا تصلح أبدًا أن تكون صلة بين الإنسان والله، بل جدارًا يمنع الإنسان من رؤية خالقه في وجوه خلقه.


نحن أبناء القرن الواحد والعشرين، أبناء هذا العصر، ولسنا بقايا غزاة في صحراء التاريخ.

نعيش معًا، وسنعيش معًا، وسننهض معًا حين نكسر هذه الحواجز الخرافية، ونقول لكل عقيدة تفرّق: كفى.


والأديان، في جوهرها، ليست دعوة للإلغاء، بل دعوة للتحرير، للاستنارة، للحب.

فإن لم يكن الدين –أي دين- حبًا يجب رفضه هو الآخر، أو يجب إصلاحه.

الإيمان دعوة إلى رؤية الله في روح وقلب ووجه كل إنسان.

وكل عقيدة تُحرّض على العداء، لا تُمثل إلا أصحابها، ولا تُمثل الله أبدًا. حاشا ألف حاشا أن تمثله.