منذ أن بدأت الأزمة في البحر الأحمر التزمت مصر سياسة الحياد، ولا يبدو أنها ستخرج عنها رغم خسائرها الاقتصادية الفادحة التي ما انفكت تتزايد.
واعترفت القاهرة الإثنين بارتفاع خسائرها المالية، وانخفاض عائدات قناة السويس بنسبة 60 في المئة بسبب استمرار التوترات الأمنية الناجمة عن استهداف جماعة الحوثي في اليمن سفنَ شحن تمر عبر البحر الأحمر وخليج عدن، ما أدى إلى تغيير مسارها من قناة السويس إلى طريق رأس الرجاء الصالح.
وأخفقت سياسة الحياد التي طبقتها القاهرة منذ بدء الحوثيين هجماتهم، التي رد عليها الغرب بتشكيل تحالف دولي تتزعمه الولايات المتحدة وبريطانيا ولم تشارك فيه أي دولة عربية باستثناء البحرين، في الحد من الخسائر المالية التي تتكبدها الدولة المصرية.
وقال وزير المالية المصري محمد معيط الاثنين إن تقديرات بلاده تشير إلى تراجع إيرادات قناة السويس بنسبة 60 في المئة بسبب التوترات في منطقة البحر الأحمر.
وأكد، على هامش مشاركته في أعمال مؤتمر صنع السياسة الاقتصادية المنعقد في القاهرة، أن أزمة البحر الأحمر، بجانب تباطؤ النشاط الاقتصادي وتراجع حركة التجارة والسياسات التقييدية المتبعة للتعامل مع الآثار التضخمية للأزمات العالمية، تؤثر سلبا على إيرادات مصر الضريبية وغير الضريبية.
وأطلقت جماعة الحوثي بعد اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في أكتوبر الماضي صواريخ ومسيّرات ضد سفن شحن في جنوب البحر الأحمر، تملكها أو تشغلها شركات تابعة لإسرائيل أو تنقل بضائع منها وإليها، ما أثر على حركة الملاحة في هذا الممر الحيوي الدولي وتوقف سفن عديدة عن المرور عبر قناة السويس.
وقال رئيس المؤسسة العربية للتنمية والدراسات الإستراتيجية العميد سمير راغب “مصر لن تغير موقفها بشأن رفض التدخل العسكري في الصراع الدائر بين إسرائيل وجماعة الحوثي، وإن ترتب على ذلك تهديد مصالحها الاقتصادية، حيث تحتفظ بعلاقات قوية مع كافة المكونات السياسية في اليمن، ومع جميع الدول العربية المطلة على البحر الأحمر، وترفض أن تظهر في معسكر موال لإسرائيل، ولديها قناعة بأن جوهر الأزمة يتمثل في الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة”.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “مصر اتخذت موقفًا دبلوماسيّا لم تدن فيه جماعة الحوثي بشكل صريح، وتؤمن بأن الحلول الخشنة لن تجدي نفعا، وأن الضربات الأميركية والبريطانية لم توقف حتى الآن استهدافات الملاحة البحرية”.
وذكر أن مصر تشارك في قوة المهام المشتركة في البحر الأحمر ويقتصر تواجدها على التعامل مع عمليات القرصنة ورفضت المشاركة في أي ضربة ضد الحوثيين.
ومعروف أنه تم تأسيس قوة المهام المشتركة (153) في 17 أبريل 2022، وهي واحدة من خمس فرق عمل تابعة للقوات البحرية المشتركة، ومسؤولة عن عمليات الأمن البحري في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وغرب خليج عدن، بهدف ردع وإعاقة الجهات غير الشرعية من غير الدول.
ولفت العميد سمير راغب في حديثه لـ”العرب” إلى أن “مصر لا تمانع في الوصول إلى توافق بين إسرائيل والحوثيين، وقد تلعب دور وساطة في ذلك، لكنها لن تتورط في أي عمل عسكري، لأن تهديدات جماعة الحوثي غير موجهة أصلا ضد مصر، وهي نتاج صراع قائم بين المكون اليمني وإسرائيل”.
وامتنعت مصر عن الانضمام إلى التحالف الدولي المناهض للحوثيين حتى لا تبدو كأنها تدافع عن إسرائيل، وعلى أمل أن تهدأ عاصفة الحوثيين سريعا، لكن تزايد الخسائر المادية لقناة السويس بدأ يثير تساؤلات حول إمكانية أن تعيد القاهرة النظر في موقفها المحايد.
وأكد عضو لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان المصري يحيى كدواني أن وقوف القاهرة على الحياد إزاء التوترات في جنوب البحر الأحمر “كان مطلوبا لإدراكها خطورة التدخل بشكل عسكري، وفتح جبهات أخرى من الصعب غلقها بسهولة، خاصة أن مصر تتعامل في مثل هذه الظروف بحكمة وعقلانية شديدتين”.
وأضاف في تصريح خاص بـ”العرب” أن “تدخّل مصر، بشكل منفرد أو جماعي، للدفاع عن مصالحها تحكمه تقديرات سياسية معقدة، والتهديدات في البحر الأحمر تُدرس بدقة وبشكل كامل ومن جميع الجوانب، إذ تتعامل القاهرة مع هذه النوعية من التطورات بصورة عميقة ومتوازنة، وتعي تماما خطورة التعقيدات في المنطقة”.
وأشار كدواني إلى أن تزايد الخسائر التي تتكبدها هيئة قناة السويس لا يعني أن تبادر مصر إلى فتح جبهة عسكرية وسط إقليم مليء بالحروب والصراعات والنزاعات، ودورها في الوقت الراهن يركز أولا على احتواء الموقف وتجنب المزيد من التصعيد، وهي تعي المخاطر الكبيرة التي ينطوي عليها الحل بقوة السلاح في البحر الأحمر، لذلك “الحياد المصري في هذه الأزمة خيار إستراتيجي لا غنى عنه”.
وكشفت وزيرة التخطيط المصرية هالة السعيد في أبريل الماضي أن تراجعا بنسبة 50 في المئة طرأ على إيرادات قناة السويس بسبب التوترات في جنوب البحر الأحمر.
وتشكّل عائدات قناة السويس أحد أبرز مصادر النقد الأجنبي في مصر، وحققت القناة في العام المالي المنقضي عائدات مالية بلغت 9.4 مليار دولار، وهي أعلى إيرادات سنوية سجلتها، وبزيادة عن العام السابق نسبتها 35 في المئة.