بينما يعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، "انتهاء وقت الحوثيين" في اليمن، بالتزامن مع ضربات عسكرية غير مسبوقة، فإن زعيم الميليشيا المتمرّدة، عبدالملك الحوثي ، لا يبدو بعيداً عن قلب العاصفة، بل لعلّه يتذكر الآن من أحد مخابئه في صعدة، أن ترامب نفسه أصدر أمر اغتيال القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني، في ولايته الأولى.
وليس بعيداً، فإن اغتيال أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، في سبتمبر/ أيلول الماضي، بحسب مراقبين، بعد عملية رصد دقيقة للرجل الذي كان يُعرف بشدة حذره، يؤكد أن لا حصانة لأي قيادي أو "زعيم"، في الحرب المفتوحة منذ 17 شهراً، بدليل اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في قلب طهران.
وأظهرت الضربات الأمريكية الأخيرة تصميماً على الوصول لقيادات الصف الأول في جماعة الحوثي، إذ طالت غارة منزل حسن عبد القادر شرف الدين، المسؤول عن المخلصات المالية لتجارة النفط والغاز، كما استهدفت غارة أخرى منزل علي فاضل، وهو أحد قيادات الملاحة البحرية في غرف العمليات الحوثية، فيما استهدفت ثالثة منزل عبد الملك الشرفي، وهو قيادي كبير في الاستخبارات العسكرية للحوثيين.
وخلال التصعيد غير المسبوق بين إسرائيل وجماعة الحوثي منذ دخولها في "جبهة إسناد" لقطاع غزة بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، استهدف الجيش الإسرائيلي قيادات في حماس وحزب الله، إلا أن الحوثي ظلّ بمنأى عن الخطر الإسرائيلي، رغم كشف صحيفة "معاريف " العبرية في يناير/ كانون الثاني الماضي عن "توجّه" إسرائيلي لاغتيال الزعيم الحوثي.
ونقلت "معاريف" في حينها، عن مسؤول إسرائيلي لم تسمّه، أن عملية اغتيال الحوثي "قد تنفذ في أي وقت"، مشيراً إلى أنه "يجري حالياً جمع المعلومات بشأنها والتخطيط لها"، في حال استمر الحوثيون في مهاجمة أهداف مدنية داخل إسرائيل.
واعتبر المسؤول الإسرائيلي أن اغتيال عبد الملك الحوثي سيؤدي إلى "انهيار نظامه في صنعاء " فهو "مركز القبيلة والعملية بأكملها"، وأن اغتياله سيكون أكثر تأثيراً على الجماعة من الضربات الأمريكية والإسرائيلية المتواصلة.
"ليس سهلاً"
توعد ترامب الحوثيين قبل أيام قائلا إن "جهنم ستُمطر عليهم"، وهو الذي كان أصدر أمر اغتيال قائد الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني ، في يناير/ كانون الثاني 2020، لكن أستاذ العلوم السياسية، الدكتور خالد شنيكات يعتقد أن الأمر لن يكون سهلاً إذا أرادت أمريكا استهداف عبد الملك الحوثي.
ورغم إقراره أن "كل احتمالات الحرب تبقى واردة"، إلاّ أن شنيكات يعتقد في تصريحات لـ "إرم نيوز" أن الجيش الأمريكي، والإسرائيلي أيضا، يفتقدان للمعلومات الاستخباراتية عن جماعة الحوثي التي لم تتعرّض لاختراق على غرار ما حدث مع حزب الله في لبنان.
ويضيف شنيكات إلى ذلك "مشكلة جغرافية" تتمثل في اتساع حجم اليمن، وتضاريسه الصعبة، وكذلك "درجة التنظيم العالية"، كما ينوّه إلى فرق آخر، إذ انخرط حزب الله "في إمكانيات أكثر من قدراته مثل قتاله في سوريا" والذي كان "بداية الاختراق الفعلية"، إضافة إلى "شراء تكنولوجيا والتعامل معها بمنتهى البساطة"، أما جماعة الحوثي، وفق شنيكات، فلديها "نظامها الخاص في التكنولوجيا".
ويذهب شنيكات إلى أنه لو كانت هناك معلومات لدى أمريكا أو إسرائيل عن زعيم الحوثيين لتم استخدامها والخلاص منه، لافتاً إلى أن المشكلة في اليمن هي "عدم توفر المعلومات الاستخباراتية، وعدم القدرة على تجنيد الجواسيس كما كان في تنظيم حزب الله أو تنظيمات أخرى"، وينوّه أيضا بأن مكان الحوثي غامض.
تحول الاستراتيجية الأمريكية
يقول الخبير الاستراتيجي سعد عبد الله الحامد إن الغارات والهجمات الأمريكية الحالية على العديد من المواقع الحوثية داخل اليمن تمثل تغيرا دراماتيكيا مهما في المشهد، خاصة مع تراجع نسبي في دور الأذرع الإيرانية خلال الفترة الأخيرة، بعد ما حدث لحزب الله وسقوط نظام الأسد.
وأشار إلى أن تصريحات الرئيس الأمريكي الأخيرة بشأن الحوثيين تعكس تحولا كبيرا في الاستراتيجية الأمريكية، إذ لم يعد الأمر يقتصر على فرض الضغوط السياسية والاقتصادية القصوى على إيران، بل بات يشمل القضاء على الحوثيين.
وذكر الحامد أن استهداف القيادات الحوثية أصبح أمرا ملحا وضروريا للولايات المتحدة لإنهاء التهديدات المستمرة، وهو ما ظهر بوضوح في التصريحات الأمريكية الأخيرة التي شددت على ضرورة القضاء على هذه القيادات؛ ما يطرح احتمال أن يكون مصير عبد الملك الحوثي مشابهًا لمصير قيادات ""، وفي مقدمتهم حسن نصر الله.
الحوثي في عين العاصفة
في السياق ذاته، يرى الباحث في الشأن الإيراني، عادل الزين، أن التخلص من عبد الملك الحوثي يعد هدفا استراتيجيا للرئيس الأمريكي وإدارته؛ إذ تدرك واشنطن أن قادة الميليشيات الحوثية لا يتمتعون فقط برمزية قيادية، بل يمتلكون أدوات السيطرة والتخطيط؛ ما يجعل القضاء عليهم خطوة حاسمة في إضعاف الجماعة.
وأوضح الزين لـ"إرم نيوز"، أن اغتيال عبد الملك الحوثي وقيادات أخرى سيؤثر بشكل كبير على تماسك الميليشيا الحوثية وقدرتها على المواجهة، مشيرًا إلى أن استهداف الأمين العام السابق لحزب الله حسن نصر الله كان نقطة تحول فارقة في قدرة الحزب على الصمود خلال المواجهات.
وأضاف أن القضاء على القيادات الحوثية هو جزء من استراتيجية الحرب الأمريكية ضدهم، حيث تدرك واشنطن أن اغتيال عبد الملك الحوثي وعدد من كبار القادة سيسهم في إضعاف قدرتهم على تنفيذ عمليات نوعية معقدة، مثل تلك التي استهدفت حاملة الطائرات الأمريكية "هاري ترومان"، والتي انطلقت منها الضربات الأخيرة ضد الحوثيين عبر المسيرات والصواريخ.
أين يتحصّن عبد الملك الحوثي؟
يُعرف عن عبد الملك الحوثي (46 عاماً)، الذي تولى قيادة الجماعة في 2006، بحذره الشديد في التنقل، خلال الحروب الطويلة التي خاضتها الميليشيا، إلا أن تقريراً سابقاً لصحيفة "عكاظ" السعودية، كشف عن تنقله في سنوات سابقة بين كهوف ومغارات منطقة الخزائن التابعة لمديرية "سحار"، وسط محافظة صعدة شمال اليمن.
وتوصف منطقة الخزائن بأنها محصّنة بشكل طبيعي، نظراً لكثرة الكهوف والمغارات بها، كما أن الحوثيين أضافوا عليها تحصينات أخرى، تتمثل ببناء إسمنتي.
ويُعرف الحوثي، الذي لم يحصل على أي دراسة نظامية متقدمة، بندرة ظهوره الاجتماعي، إذ سبق أن اختفى عن الظهور تماماً نحو بين عامي 2014 و2024، باستثناء الخطابات المتلفزة، بينما لا تستبعد أوساط يمينة أن يكون مقيماً في طهران.