آخر تحديث :الخميس-03 أكتوبر 2024-12:54ص

الشيخ أحمد عبدربه العواضي أسد في عرين سبتمبر (24 ــ 30)

الخميس - 03 أكتوبر 2024 - الساعة 12:31 ص

د. ثابت الأحمدي
بقلم: د. ثابت الأحمدي
- ارشيف الكاتب


‏لافتات سبتمبرية
حين نتكلمُ عن الشيخ الشّهيد أحمد عبدربه العواضي فإنما نتكلمُ عن صفحةٍ مضيئةٍ من صفحاتِ ثورةِ السادسِ والعشرين من سبتمبر الخالدة، نتكلمُ عن مواقفَ جسدتها بطولاتٌ نادرة، عن ملمحٍ قِيمي وأخلاقي من ملامح هذه الثورة العظيمة التي أنقذت شعبًا برمته من كهنوتِ الإمامة البغيض، عن سيفٍ من سيوف سبتمبر، ألقى الزمان عليه بعضَ غباره؛ لكن القادم من المستقبل سينصف هذه القامة الثورية الوطنية التي أعطت للوطن كل شيء، ولم تأخذ منه أي شيء، كما فعل البعض. عن القول والفعل معا. لا عجب، إنها طبيعة الفرسان الكبار في معارك الشرف والبطولة، ولسان حاله: "أغشى الوغى وأعفُّ عند المغنم". كما فعل الفارس عنترة، فارس الشعر وفارس الحرب، كما هو الشأنُ لدى فارسنا السبتمبري، فارس المعارك الجمهورية، وفارس الأغنية الصّنعانية.

الشيخ أحمد عبدربه العواضي 1925 ــ 1972م. أحد أقيال محافظة البيضا، آل عواض الذين تحدثت عن مآثرهم آكامُ اليمن وسهولها، ودونت بطولاتهم صفحاتُ التاريخ وسطورُها، كامتدادٍ نضالي أصيل لنضالات والده الشيخ عبدربه العواضي ضد المحتل البريطاني جنوب الوطن، على امتداد مناطق التماس الشطرية سابقا.

حين دوّت القذيفة الأولى من دبابة الملازم الشراعي تدكُّ وكرَ الطغيان في قلب العاصمة صنعاء، صبيحة يوم السادس والعشرين من سبتمر أعلنَ الشيخ الشهيد نفيرَه الثوري مع قومه من آل عواض الأبطال، مستجيبين لنداء الثورة وصوت الوطن.

حين غادرَ الكهنة من آل حميدالدين وأتباعهم صنعاء يلاحقهم عارُ التاريخ استقروا في أطرافِ البلاد، يحشدون فلولَ المرتزقة من داخل البلاد وخارجها، بالتعاون مع الاحتلال البريطاني في الجنوب، موزعين عليهم الأسلحة، ومثيرين الإشاعات ضد الجمهورية الوليدة، وكانت مدينة حريب شرق مارب مركزًا مهمًا من مراكزهم الحربيّة ضد الجمهورية، فهبت إليها صقور سبتمبر، ابتداءً بالشهيد علي عبدالمغني الذي استشهد وهو في طريقه إليها، ومن بعده الشهيد المثقف علي محمد الأحمدي، أول وزير إعلام للجمهورية، ولم يحسم الحرب لصالح الجمهورية في منطقة حريب وما حولها إلا أسد الجمهورية الهصور الشيخ أحمد عبدربه العواضي.

عقب قيام الثورة اشتعلت عشرات الجبهات القتالية، وخاصة في قبائل المشرق، وحين أحست القيادة الجمهورية في صنعاء بالخطر استدعت الشيخ العواضي لحسمها، حيث وصل إلى مقام الرئيس السلال الذي جهزه على رأس حملة كبيرة، مزودة بالعربات والدبابات والذخائر، متجها نحو مارب، وفي منطقة "العبدية" تحديدًا تأسست قيادة الجيش الجمهوري الميدانية، لتنطلق منها إلى مختلف الجبهات، بقيادة العواضي الذي استدعى قبيلته آل عواض، ورجالات البيضا بشكل عام، لمواجهة الإمامة في الثورة المضادة، وكانت قبائل البيضا من أنقى قبائل الجمهورية، ومثلت اليد الحديدية في جيش سبتمبر ضد الإمامة وفلولها، بقيادة أسد سبتمبر الشيخ أحمد عبد ربه العواضي، يساعده في ذلك أخوه الشيخ جونة عبدربه العواضي، في الجبهة الشرقية، حيث يتواجد جيش الإنجليزي الداعم للإمامة، والجبهة الغربية بقيادة المناضل ضيف الله حسين المساعدي العواضي، التي اتجهت لقطع الإمداد على الإماميين فتمت السيطرة على خط الإمداد، ودارت عدة معارك أخرى بين فلول الإمامة من جهة، وجيش الجمهورية من جهة أخرى، بقيادة العواضي، وإلى جانبه كل من: أحمد سالم العواضي، وناصر لحرق، وعبد الله علي العبد العواضي، وعلوي أحمد العواضي، وغيرهم من القيادات الثورية.

خلال هذه المعاركة رجحت كفة المعركة لصالح الجمهوريين بعد نزالات شديدة ومعاركة طاحنة، انضمت على إثرها أكثر من قبيلة للجمهورية، وسيطروا على مدينة حريب، القاعدة البريطانية لمد الإماميين بالأسلحة، عبر أحد عملائهم فيها، وتمت السيطرة على كثير من أسلحة الجيش البريطانيين فيها. وبسيطرة الجمهوريين على حريب تم قطع خطوط الإمداد الخارجية على الإماميين، وأعلنت القبائل المجاورة ولاءها للجمهورية.

وخلال عملية ترتيبات جديدة للجيش في حريب حاولت المخابرات البريطانية اغتيال الشيخ العواضي في إحدى الليالي؛ حيث تم الترصد له وهو يمشي في أحد شوارعها، فتم إلقاء قنبلة عليه من قبل أحد العملاء الخونة، أصابته في رجله، وتمكن من إصابة المهاجم المعتدي برصاص بندقيته التي لم تكن تفارقه، إلا أنه تم إخفاء هذا المهاجم في خلال دقائق، مما يدل على دقة العملية، وتوفير الإسناد الاستخباراتي البريطاني المحترف. وقد تم نقل الشيخ أحمد عبدربه العواضي إلى صنعاء، ومنها إلى القاهرة للعلاج، وفي هذه الفترة كانت المعارك شديدة في مناطق مختلفة بالقرب من العاصمة صنعاء، مثل أرحب وبني حشيش والحيمتين؛ فاستدعت القيادة في صنعاء جيش العواضي للوصول إلى صنعاء، وأرسلته إلى أرحب. وفي القاهرة، وأثناء تلقيه العلاج التقى الرئيس جمال عبدالناصر، وناقش معه العديد من القضايا المتصلة بالجمهورية، ثم عاد لقيادة المعارك العسكرية في: أرحب وبني حشيش.

وفي أرحب على وجه التحديد خاضَ بطولاتٍ استثنائية مع جيشه من آل عواض، مسنودٍ أيضا بكتائب الجيش المصري، وله الفضل في تحرير العديد من مناطقها، ودحر فلول الإمامة فيها، عبر معارك عدة خسر فيها كثيرا من رجاله، كما خسر فيها أخاه الشيخ جونة الذي استشهد في إحدى معارك أرحب. وهنا زادت هيبته، وهيبة جيشه وقبيلته، فكان الجيش الذي لا يعرف الهزيمة، لذا فقد تحرك بعد معارك أرحب إلى محافظة حجة، في كل من: المحابشة، ومسور وكحلان التي حررها كاملة، وتم تسليم هذه المناطق للجيش المصري لتأمينها بعد تحريرها، ثم الانتقال من حجة، إلى مناطق قتالية أخرى أيضا في كل من: الحيمتين وبني مطر. وهكذا استمر هذا القائد السبتمبري الشجاع من جبهة إلى جبهة، ومن معركة إلى معركة حتى حصار السبعين.

العواضي.. بطل حرب السبعين
مواقف العواضي مع قومه من رجالات البيضاء كثيرة، إلا أنها أكثرها ثباتا وتخليدًا في الذاكرة الوطنية هي مواقفه في حرب السبعين يوما، في آخر فصل من فصول الحرب الإمامية التي شنتها على الجمهورية الوليدة آنذاك، حيث كان الكفة الراجحة في معادلة المعركة الحاسمة، نظرًا للدور الذي لعبه مع رجاله، وقد كانت العاصمة صنعاء محاصرة من كل اتجاه، وفلول الإمامة مطبقة عليها بعد أن ضاعفت من قوتها، لولا صمود وثبات أبناء الجمهورية الذين دافعوا عن قضيتهم الكبرى، وحققوا أعظم الانتصارات.

كان الشيخ العواضي محسوبا ــ بصورة مباشرة ــ على رجالات الرئيس السلال الذين عصفت بهم الرياح بعد مغادرته السلطة، وكان قد أكمل مهمته الوطنية وغادر صنعاء، مستقرًا في منطقة الجريبات من البيضا، في انتظار التئام الصف الجمهوري، إلا أن الحصار اشتد على صنعاء، فتحرك لتوه مع قبائله إلى الحديدة، ومن هناك تم الزحف نحو صنعاء لفك الحصار عن طريق صنعاء الحديدة، الشريان الاستراتيجي المهم الذي يربط الميناء بالعاصمة، والذي تطوقه قبائل موالية لفلول الإمامة، وكانت هذه القبائل الإمامية بصدد الإطباق على العاصمة صنعاء، وإعلان عودة الإمامة، وفي هذه المعارك أبلت رجالات البيضا بلاء بطوليا خالدا، فثبتوا أركان الجمهورية بجماجمهم، كما أروا تربتها بدمائهم الزكية. وقد دوّنَ الرئيس الإرياني طرفًا من هذه البطولات الخالدة في مذكراته، كما روى أيضا طرفا منها الشيخ سنان أبو لحوم، وكان يومها مع الشيخ العواضي، حيث قال عنه: "في هذه المعركة أثبت الشيخ أحمد عبدربه العواضي أنه قائد محنك، يتميز بالإصرار والحذر".

إنّ ما قدمته قبائل آل عواض وقبائل اليمن كافة، كان الرافد الأساسي لقيام الثورة، وعاملا مهمًا من عوامل نجاحها، وكانت قبائل آل عواض لا تبحث عن مكاسب شخصية، وإنما كان هدفهم وطنيًا بحتًا؛ حيث يقدمون الشهداء والجرحى، ويحققون الانتصارات في أغلب المعارك، ثم يعودون إلى قراهم مواطنين صالحين بلا رواتب أو مناصب أو مكافآت؛ لأنهم كانوا يرون الجمهوريّة المكسب الحقيقي الذي سيعيشُ به، ومن خلاله كافة أبناء الوطن بحريةٍ ومساواةٍ وكرامة. ورغم ما تعرضت له آل عواض وقبائل أخرى في المشرق من تهميشٍ خلال الفترات الماضية، ورغم كل هذه المعاناة إلا أنّ آل عواض رفضت أن تقفَ في صف من يتآمر على الجمهوريّة حديثا، وكانت جمهوريّة، وستظل جمهوريّة جيلا بعد جيل.

رحم الله أسد سبتمبر الهصور الشيخ أحمد عبدربه العواضي الذي غدرت به الحسابات السياسية الضيقة من الرفاق قبل الأعداء، وعزاؤنا أنه رحل وقد أدى واجبه الوطني على أكمل وجه، هو ورجاله الأحرار، وعزاؤنا أيضا أنه خلف رجالا يسيرون على عهده، محافظين على شرف النضال والنبل السبتمبري الأصيل..
د. ثابت الأحمدي