آخر تحديث :السبت-12 أكتوبر 2024-02:06ص

الفرق بين عقيدة الحق الطبيعي والمدني

السبت - 12 أكتوبر 2024 - الساعة 01:06 ص

د. قاسم المحبشي
بقلم: د. قاسم المحبشي
- ارشيف الكاتب


في الفرق بين عقيدة الحق الطبيعي والمدني

ومعتقد الابتلاء الديني؛ لمن يفهم المعنى


لاحظت أن الفرق بين الثقافة السياسية في الدول الغربية العلمانية والثقافة السياسية في الدول العربية الإسلامية يكمن في أن الأول تأخذ حياة الإنسان وحقوقه الطبيعية والمدنية وسعادته ورفاهه بكل صارمة وجدية بوصفها غاية الغايات وهدفها الاستراتيجي ومعيار القياس والتقييم في حين أن الثانية لا تأخذ حياة الناس بما تستحقه من رعاية واهتمام وتقدير واحترام والبراديغم المهيمن يبرر لها ذلك دائما. ففي الثقافة التي لا تكف عن تذكير الإنسان بعجزه وقلة شأنه وعدم كفاية عقله وخيبة مسعاه في هذه الدنيا الفانية التي يكرس فيها الاعتقاد بإنها لا تساوي جناح بعوضة لا يمكنها أن تكون دافعا وحافزا للنمو والتنمية والازدهار بل ستفضي مع مرور الزمان الى نتائج كارثية لم تكن بالحسبان وسيدفع جميع الناس أثمانها الباهظة، افرادا وشعوبا ودولا من دمهم ولحمهم وكرامتهم وتاريخهم وحاضرهم ومستقبلهم كما يتنضد المشهد الآن أمام البصر والأبصار في مشهد تراجيدي سوريالي لم يشهد مثيلا في تاريخ الانسان وهذا هو معنى المذابح المروعة التي يرتكبها الشباب العرب وغير العرب باسم (الإسلام ) هذه الأيام وفي الماضي القريب في الجزائر والصومال وافغانستان وفي سوريا والعراق واليمن وليبيا ولبنان وفي كل مكان وليس هناك ما هو افضع من مؤمن لتعذيب مؤمن آخر من ذات الدين، إذ إن كلا منهم يعتبر ذاته ملاكا والأخر شيطانا ! وحينما تحضر الملائكة والشياطين يختفي آدم وحواء الانسان أبن أديم الأرض والنفحة الربانية وقيمه الإنسانية الدنيوية المتواضعة الشفوقة القنوعة النسبية المتغيرة المرنة الواقعية الممكنة العقلانية، إلا تكفي هذه النتائج الفاجعة كل من يدعي الأنتماء الى دين الإسلام الحنيف الذي أنزله الله رحمة بالعالمين لإعادة التفكير الحصيف بالنتائج والأسباب؟! والفكرة الآتية من خارج الحياة لا تستطيع أن تنتج حتى فكرة موتها وفي هذه الحلقة الجهنمية تكمن خطورتها !


الفكر والسلوك أو مفارقة المعتقد


يسلك الناس وفقًا لما يعتقدون. فإذا اعتقدت أنا الآن أن بيتا مسكونا بالجن والشياطين فسوف أخاف السكن فيه، وإذا اعتقدته خاليا منها فلن اخافه واذا أعتقدت أن النهر مسكون بالتماسيح والافاعي فلن أعوم فيه وإذا أعتقد أن شخصا ما لا يكذب فسوف أثق به وإذا أعتقدت أن سائلا ما يبري المرض ويطيل العمر فسوف أشربه، وإذا اعتقدنا أن أن النساء شريرات وماكرات فمن المؤكد إن نظرنا اليهن ومعاملتهن سوف تختلف عما إذا اعتقدناهن أجمل ما خلق الله وأنهن أكثر إنسانية مننا وإذا اعتقدت بإن جيراني يحسدوني وأن عيونهم الشريرة قد تصيبني اثناء خروجي أو دخولي منزلي فمن المؤكد أن علاقتي معهم سوف تتعقد أكثر. وإذا اعتقدت بإن الروح أهم من الجسد فسوف اهمل جسدي حتى يترهل وتصيبه الأمراض وإذا أعتقدت بأني محتاج إلى وظيفة تليق بي فسوف أبحث عنها حتى أجدها إما إذا فقدت الأمل بالحياة والمستقبل فلن أبحث عن أي وظيفة أبدا. وإذا اعتقدت بإن هذا الدنيا لا تسوى عندي جناح بعوضة كما هي عند الله سبحانه وتعالى فسوف يصيبني الكسل والخمول وفقد دافع السعي والكفاح فيها. الفكرة إننا نسلك وفقًا لما نعتقد. وحينما تكون معتقداتنا صحيحة وصادقة، نستطيع أن نحدث قدرًا كبيرًا من التقدم. أما إذا كانت معتقداتنا خاطئة فإنها تعوق هذا التقدم وتحبط آمالنا، وتعرض الحياة الإنسانية ذاتها إلى الخطر" ولقد ذهب كل جيل ضحية لمعتقداته ولخرافاته وأوهامه وأساطيره وحينما تكون تلك المعتقدات الضالة مدعمة مؤسسيا فأثرها يكون كارثيا واليكم الدليل "تأخرت المطبعة زهاء قرنين ونصف على معظم شعوب العالم الإسلامي بسبب فتوى واستمر الجدل الفقهي حول شرب القهوة قرابة قرنين ، تخللتها أحداث شغب ومطاردات وحوادث قتل وإغلاق مقاه وإحراقها والتشهير بمرتاديها ! وفي مجال آخر أعتبر مياه الصنبور أو كما تسمى (الحنفية) في بدايتها بدعة وضلالة ولا تصلح للوضوء منها. وإذا كانت الدراجة الهوائية البسيطة عدًها البعض حصان إبليس ، فإن الطماطم عدًها البعض الآخر بمؤخرته .وفيما كانت جميع التقنيات الألكترونية والكهربائية وسائل شيطانية يديرها الجن والأبالسة وتهدف إلى غزو عقول المسلمين وإفسادها ونشر الرذيلة والمنكرات ، فإن حملات التطعيم المحمودة ضد شلل الأطفال ، رأى البعض مخطئا أنها مؤامرة صهيونية تستهدف فحولة رجال المسلمين وخصوبة نسائهم حتى يتناقص عددهم ويسهل بعدها احتلال بلادهم بحسب أنيس الحبيشي.


كلنا ولدنا من أرحامهن وتربينا في احضانهن ورضعنا حليبهن وتعلمنا برعايتهن وعرفنا لذة الحياة بهن ومعظم احلامنا بهن ونعيش من أجلهن ونفرح بنظرة واحدة منهن ونسعد بابتسامة منهن ونكتب أجمل قصائدنا من وحيهن ونستمد ثقتنا بذواتنا منهن ونشعر بالسكينة والأمن والأمان معهن ونتمنى ارضاءهن ورضاءهن والجنة تحت أقدامهن! والبعض منا يعبد الله من أجل الفوز بهن ومازلنا بيننا من يحتقرهن ويفتكر حاله أفضل منهن.أي ثقافة تلك التي شكلت مجتمعاتنا العربية تجاه النساء؟ رحمة الله في الدنيا والأخرة؟ بأي منطق يفكر ذكور العرب بالنساء وبالمناسبة أكدت الدراسات الميدانية أن ٩٠٪؜ من التفكير الذكوري العربي هو في المرأة ومدراتها الدنيوية والاخروية. وفي الكتاب المقدس الأنجيل الذي تجاوزته الدول الغربية منذ عصر النهضة الأوروبية في مطلع القرن الخامس عشر الميلادي " تظهر النساء مخلوقات ذليلة ومهملة ومقموعة، وتعد كتابات بولس الرسول الأولى إلى تيمو تاوس "أنا لا أسمح لامرأة أن تتعلم وتعلم وأن تكون لها سلطة على الرجل، إن عليها أن تتحصن بالصمت لأن آدم خلق أولًا، ثم خلقت حواء، وآدم لم ينخدع ولكن حواء انخدعت وأصبحت متعدية... والرجل لم يخلق من المرأة ولكن المرأة خلقت من الرجل، كما أن الرجل لم يخلق للمرأة ولكن المرأة خلقت للرجل"، رسائل بولس الرسول. ينظر ماري دالي، أشكرك ربي.. لأنك لم تخلقني امرأة، ضمن كتاب النوع (الذكر والأنثى بين التميز والاختلاف) مقالات مختارة، ترجمة محمد قدري عمارة، المجلس الأعلى للثقافة ـ القاهرة ـ ط1ـ 2005م، ص219.