آخر تحديث :السبت-23 نوفمبر 2024-03:10م

في الإجابة على سؤال المقاومة؟

السبت - 26 أكتوبر 2024 - الساعة 11:15 م

حسين الوادعي
بقلم: حسين الوادعي
- ارشيف الكاتب


في الإجابة على سؤال المقاومة؟ استعادة الأبعاد الموضوعية والأخلاقية لفكرة تكاد تفقد معناها!

………………………………………………


إن أعتى الجرائم في الأرض ارتكبت باسم أقدس القضايا.

وسواء رضينا أو كرهنا لا بد لنا من تنقية القضايا العادلة من الاختطافات الدموية، وأن نتيع العقل والتجارب الانسانية و الوقائع التاريخية خاصة فيما يتعلق بحياة الناس، أقدس قيمة على هذه الأرض منذ أن وعى الإنسان نفسه.


المقاومة حق أصيل لكل مضطهد أو مقهور. ولا أحد يماري في ذلك أو يجادل ألا لو كان مختل العقل أو معطوب الضمير.

لكن المقاومة ليست لحظة غضب بلا معايير ، ولا فرقعة إعلامية بلا هدف، ولا "فشة خلق" بلا تخطيط وتدبير،


أولا: لنحدد بعض الأساسيات :

…………………………..

المقاومة ليست كلمة بالونية بلا حدود. لا بد أن نفرق بين أربعة أبعاد مختلفة في المقاومة:

- الحق في المقاومة

- القدرة على المقاومة

- أسلوب المقاومة

- وقيادة ومسؤوليات المقاومة

ومن لا يفهم الفرق بين هذه الأبعاد يحول فكرة المقاومة الى قنبلة في يد بدائي.


* عندما نتحدث عن الحق في المقاومة فإن الحق في مقاومة المحتل ومقاومة المستبد حق أبدي وثابت لا يمكن سلبه من الناس تحت أي عذر.

ومن حق الفلسطينيين مقاومة الاحتلال الإسرائيلي بكل الطرق والسبل المتاحة المتفقة مع القانون الدولي ومع المواثيق الدولية والإنسانية .


* لكن إلى جانب الحق في المقاومة هناك بعد آخر هو القدرة على المقاومة. بمعنى، في هذه اللحظة، هل تستطيع فعلا مقاومة المحتل وتحقيق أهدافك ؟

هناك فرق بين بين الحق والقدرة. فقد تمتلك الحق لكنك لا تمتلك القدرة. وأي مضطهَد يبدأ بممارسة حقه في المقاومة قبل أن يمتلك القدرة عليها، فإنه يهدد ليس فقط سلامته الشخصية بل يهدد قضيته ويهدد مجتمعه وقد يضع مبدأ المقاومة نفسه على المحك.


* فإذا سلمنا أن هناك فرقا بين الحق في المقاومة والقدرة على المقاومة فإننا ندخل هنا إلى بعد آخر ينساه المتحمسون العاطفيون للمقاومة وهو أسلوب المقاومة .

يفهم الناس المقاومة بأنها فقط المقاومة العنفية أوالصراع المسلح. وذلك فهم سطحي طفولي للمقاومة.

المقاومة طيف واسع من الأساليب. هناك مقاومة عنيفة، وهناك مقاومة سلمية، وهناك خليط من الاثنتين ،وهناك أنواع مختلفة داخل كل نوع من أنواع المقاومة .

اختيار الأسلوب ليس عشوائيا وليس قرارا نتخذه في لحظة عنترية، ولا هو نزوة انتحارية إيمانا ببعض الخرافات الدينية. أسلوب المقاومة يجب أن يبنى على قدراتك الذاتية من ناحية، وعلى تحالفاتك وداعميك من ناحية أخرى. أضف الى ذلك قوة العدو وقدراته وتحالفاته.

وبالتالي قد يكون أسلوب المقاومة السلمية هو الأسلوب الأنجح والأفضل في لحظة ما. و لدينا في العالم نماذج كثيرة حول نجاح أسلوب المقاومة السلمية فيما فشل فيه أسلوب المقاومة العنفية.

والقضية الفلسطينية بحد ذاتها أكبر دليل.

استمر سر عرفات في نهج المقاومة العنيفة والصراع المسلح أكثر من عقدين من الزمان. ثم بعد إدراكه أن أسلوب الصراع المسلح لن يفيد القضية الفلسطينية شيئا اتجه إلى المقاومة السلمية عن طريق الانتفاضة الأولى والمفاوضات السياسية التي انتجت اتفاق أوسلو. وحتى هذه اللحظة فإن اتفاق أسلو وعودة السلطة الفلسطينية إلى الداخل الفلسطيني هي أهم وأعظم إنجازات الفلسطينيين منذ بدء القضية الفلسطينية في بدايات القرن الماضي.

وعندما تتخذ أسلوبا من أساليب المقاومة لا يتناسب مع قدراتك الذاتية ولا مع تحالفاتك ولا مع الوضع الدولي فإنك بهذا تهدد أخلاقيه القضية وتهدد سلامة مجتمعك وقد يؤدي ذلك إلى أن تنتهي قضيتك أو أن تصبح قضية هامشية لا أحد يهتم بها .


* ومن العيب والغباء المقارنة بين أشكال من المقاومة لا يوجد أي وجه شبه بينها. فلا يوجد أي وجه شبه بين المقاومة الفلسطينية في غزة في الضفة، وبين المقاومة الجزائرية للاحتلال الفرنسي أو المقاومة الفيتنامية ضد القوات الأمريكية. فتلك مقاومات لها ظروفها وكانت مدعومة دعما دوليا بالسلاح والمال والدعاية والموقف السياسي للكتلة الاشتراكية أثناء الحرب الباردة.

كما أن المقاومة الجزائرية كانت تدور في أرض واسعة جدا وجبال وعرة تمكن المقاومين من الاختباء فيها وتجنيب المدنيين شر القتال. والمقاومة الفيتنامية اعتمدت على الغابات والغطاء الشجري لمهاجمة العدو. وهذا البعد الجغرافي لا يتوفر في غزة ولا في الضفة وهي أراض صغيرة ومفتوحة ومزدحمة بالسكان، وليست بيئة مناسبة لحرب العصابات أو الصراع المسلح لان تكلقة الارواح بين المدنيين ستكون عالية جدا وأقل من أي انجازات سياسية يمكن تحقيقها.


إن الخلط بين أنواع من المقاومة وجهل مقوماتها له آثار كارثية نشاهدها اليوم في الدمار الشامل لغزة والموت الجماعي المجاني والفشل في تحقيق أي هدف من الأهداف التي من أجلها تم ارتكاب جريمة 7 أكتوبر المشومة،


* لكن هناك بعدا رابعا إلى جانب الأبعاد الثالثة وهو قيادة المقاومة. فيادة المقاومة ليس مجرد قرار ذاتي يمكن لأي فئة أو مجموعة أن تتسابق عليه وتعلنه وتصبح بالتالي القائد الشرعي للمقاومة .

قيادة المقاومة لها معايير ولها أبعاد سياسية وأخلاقية وقانونية . وعندما تتصدر للمقاومة مجموعات مسلحة طائفية أو ميليشيات مارست أبشع أنواع القمع والقتل ضد مجتمعها، أو مرتهنة لأجندات خارجية فإن تصدر مثل هذه الجماعات لقضية المقاومة ينزع عنها بعدها الوطني والأخلاقي، وقد يحولها من قضية مقاومة عادلة إلى قضية إرهاب عدمي.


* إن قيادة المقاومة لا تنفصل عن بعد خامس يجب مناقشه عندما نتحدث عن المقاومة وهو مسؤوليات المقاومة.

إن أي جماعة تتصدر للمقاومة وخاصة المقاومة العنيفة يجب أن تتحمل المسؤوليات الكاملة عن مثل هذا القرار .

لقد ذهب المقاومون في جبهة التحرير الجزائرية الى الجبال ليجنبوا المدنيين ويلات الصراع المسلح وليفصلوا بوضوح بينهم وبين المواطنين الأبرياء. وهذا ما لم يتم في حالة حماس.

حماس لم تفصل بينها وبين المدنيين بل أنها تعمدت أن تبني الانفاق تحت المنشآت المدنية وأن تختبئ وتدير عملية عملياتها العسكرية داخل الأحياء السكانية. وتعمدت حماس أن تخلط خلطا متعمدا بينها وبين المدنيين لأن هذه هي الطريقة الوحيدة التي من خلالها تستطيع أن تختبيء وتحمي نفسها من الهجوم الإسرائيلي نتيجة الفارق الهائل في القوى.


وهذا الأسلوب كان له تداعيات أخلاقيه وقانونية خطيرة جدا، إذا أنها نزعت البعد الأخلاقي عن المقاومة من ناحية لأنه لا يمكن أن يكون هناك أي بعد أخلاقي لمقاومة تعتمد على التضحية بالسكان واستخدامهم دروعا بشرية.

كما أنها تسببت في خلل قانوني خطيرا جدا وهو أن القانون الدولي رغم أنه يمنع أي استهداف المدنيين إلا أنه في بعض الحالات التي يتم فيها استخدام المنشآت المدنية للعمليات العسكرية فإن القانون الدولي يصبح غامضا وقد تصبح هذه الأهداف المدنية أهدافا شرعية في حالات معينة إذا ما تم استخدامها كمنصات انطلاقات لأعمال العسكرية تهدد الطرف الآخر.


* لكن هناك أيضا مسؤولية أخرى للمقاومة لم تقم بها حماس كانت حماس مسؤولة عن حماية المدنيين في غزة ما دام وقد قررت أن تقوم بما قامت به في 7 أكتوبر، وعجزت عن تحمل هذه المسؤولية وتركت أهالي غزة فريسة للوحشية الاسرائيلية.

وكانت حماس مسؤولة عن تزويد السكان بالغذاء والماء والدواء والمأوى طوال فترة الحرب التي أشعلوها، ونحن نعرف أن حماس عجزت عن تواي هذه المسؤولية وتركت الأهالي للجوع والأمراض تفتك بهم فتكا.

بل الأسوأ من ذلك أن قادتها اختبأوا في الانفاق وقالوا أن حماية المدنية ليست مسؤولياتهم وأن مسؤوليتهم فقط حماية مقاتليهم أما المدنيين فمسؤولية حمايتهم تقع على الامم المتحدة حسب تصريحهم الفضائحي بداية الحرب.

وهذا التصريح دليل على أن المقاومة التي تتخلى عن مسؤوليتها تتحول إلى وجه آخر الاحتلال وإلى وجه آخر بشع لوجوه القتلة الذين يفتكون بأرواح الأبرياء في غزة.


ثانيا : لنبدد بعض الأوهام :

………………………..

ما دام قد وضحنا بعض الأساسيات لنحاول هنا أن نبدد بعض الأوهام.

هناك وهمين استخدمتها حماس لترويج خطئها التاريخي الفاحش في 7 أكتوبر ، ويستخدمهما المؤيدون المهووسون بالعنف المجاني.


* الوهم الأول أن المقاومة تنتصر دائما وفي كل الظروف وأن الحق ينتصر دائما دون قيد أو شرط. وأن المظلوم سيأخذ حقه في النهاية بغض النظر عن الاسباب والتوازنات.

ورغم ما في هذا التصريح من رومانسية وطفولة أخلاقية إلا أنه بعيد كل البعد عن الواقع.

فالمقاومة لا تنتصر دائما. والحق لا ينتصر دائما. والتاريخ قدم لنا كشفا طويلا من القضايا العادلة التي فشلت واختفت بسبب اختيار الأسلوب الخاطئ للمقاومة، أو بسبب تصدر الجماعة الخاطئة لقضية المقاومة.

الأمثلة كثيرة، من الهنود الحمر إلى قضية التبت في الصين إلى التمردات الأيرلندية الطويلة التي لم تنجح حتى الآن في تحرير شمالي إيرلندا، إلى هونكونغ وفشلها في الاحتفاظ بالاستقلال ، وال فنزويلا والعجز الطويل عن اسقاط الدكتاتورية الوحشية التي رمت بها في الفوضى والفقر والجوع، وافغانستان العاجزة عن الخلاص من الكابوس الطالباني المديد، والأكراد المشتتين بين مصالح خمس دول.

إن الحق لا ينتصر إلا عندما يمتلك الأدوات اللازمة للانتصار. وإن القضايا العادلة قد تختفي وتنقرض بسبب اختيار الأسلوب الخاطئ وبسبب تصدر القيادات اللاوطنية على قضية المقاومة.


* الوهم الثاني الذي يروجه له حشد المقاومة الثأرية أن المقاومة العنيفة هي دائما المقاومة الفعالة الكفيلة بتحقيق الأهداف، وأن المقاومة السلمية ليست أكثر من لعب أطفال .

لكن الدراسات السياسية والتاريخية المقارنة التي حللت مدى نجاح أساليب المقاومة السلمية والمقاومة العنيفة عبر التاريخ السياسي الحديث وجدت العكس تماما، واثبتت أن أساليب المقاومة السلمية استطعت أن تحقق أهدافها بنسبة أكبر بكثير من أساليب المقاومة العنيفة.

لكن الأسلوب في الأخير يحكمه، كما قلت، عوامل كثيرة من ضمنها فارق القوة بين المقهور والقاهر، ومن قدرة المقاومة على اتخاذ أساليب تحقق أهدافها على المدى الطويل بالقدر الأقل من الخسائر ، وأيضا قدرتها على تحويل عملياتها إلى إنجازات سياسية.


كل هذه العوامل والألعاد والاشتراطات كانن غائبة أو مغيبة عن ذهن العقلية الحمساوية الثأرية وعن بال قطعان الحماس المقاوماتي الذين لا يعرفون من المقاومة الا الشعارات والصراخ والهتاف بالموت من اجل القضية.


ثالثاً: لنعد تحديد السؤال والجواب:

…………………..

السؤال ليس أن الحل السلمي فشل ولا بديل عن المقاومة العنفية.

إذا كان السلام قد عجز عن تحقيق حلم الدولة، وحبس الفلسطيني في الحدود الدنيا من المواطنة والحقوق والكرامة والحياة المنقوصة.

فإن الصراع المسلح قد عجز عن تحقيق حلم الدولة، وحرم الفلسطيني حتى مما كان قد حصل عليه من فتات المواطنة والحقوق والكرامة وقذفه الى هاوية الموت المجاني..

فما هو الحل؟


الحل هو التمسك بالحل السلمي الذي أنجز القليل، وتصحيح اخطائه بحيث ينجز ما كان يفترض به أن ينجز منذ اتفاق أوسلو.

ويجب أن نذكر هنا أن تعثر اتفاق أوسلو كان نتيجة تحالف غير معلن بين اليمين الاسرائيلي المتطرف واليمين الفلسطيني المتطرف "حماس" الذين سعيا الى افشال الحل السلمي وإعادة العلاقة بين الطرفين الى مريع الصراع.

وكان الصراع في صالح الإسرائيلي لأنه الاقوى عسكريا بعد ان كان قد فقد ميزة تفوقه العسكري امام أساليب المقاومة السلمية والضغط الدولي الذي وضعه أمام التزاماته القانونية بانهاء الاحتلال.


والحل هو رفض أسلوب العنف الذي فشل في أي إنجاز (غير الموت والدمار) وأفقد الفلسطينيين القليل من الحقوق التي انتزعوها ويكاد يفقد القضية الفلسطينية بعدها الاجتماعي وأساسها الاخلاقي. الحل هو في توظيف كل اساليب النضال السلمي من المقاطعة الى المسيرات والاضرابات والضغط الدولي والتفاوض السياسي والدعم العربي والعالمي من احل تحقيق الدولة الفلسطينية على اراضي 1967 . وهذا لن يتم الا بالتخلي عن وهم القوة والصراع العبثي مع الغول النووي، وتوحيد الصف الفلسطيني نحو نفس الهدف ونفس الأساليب.


* لكننا لم ننته بعد. فبعد توضيح بعض الأساسيات وتبديد بعض الاوهام، لا بد في ألأخير من دحض بعض الأكاذيب واوضيح بعض الحقايئق حتى تصبح قضية المقاومة وأساليبها واضحة جلية ومفهومة ومنقاة من ركام الانفعال اللاعقلاني والشعارات الحوفاء.


فالمقاومة قضية وطنية انسانية قائمة على احترام خيارات الانسان ومشاركته وقدسية حياته، وليست حفلة انتحارية للمهووسين بالموت المجاني..

وهذا موضوع مقال طويل آخر.

فكم من الجرائم ترتكب باسمك أيتها المقاومة!