المقاومة ليست كلمة بالونية بلا حدود. لا بد أن نفرق بين أربعة أبعاد مختلفة في المقاومة:
- الحق في المقاومة
- القدرة على المقاومة
- أسلوب المقاومة
- وقيادة ومسؤوليات المقاومة
ومن لا يفهم الفرق بين هذه الأبعاد يحول فكرة المقاومة الى قنبلة في يد بدائي.
* عندما نتحدث عن الحق في المقاومة فإن الحق في مقاومة المحتل ومقاومة المستبد حق أبدي وثابت لا يمكن سلبه من الناس تحت أي عذر.
ومن حق الفلسطينيين مقاومة الاحتلال الإسرائيلي بكل الطرق والسبل المتاحة المتفقة مع القانون الدولي ومع المواثيق الدولية والإنسانية .
* لكن إلى جانب الحق في المقاومة هناك بعد آخر هو القدرة على المقاومة. بمعنى، في هذه اللحظة، هل تستطيع فعلا مقاومة المحتل وتحقيق أهدافك ؟
هناك فرق بين بين الحق والقدرة. فقد تمتلك الحق لكنك لا تمتلك القدرة. وأي مضطهَد يبدأ بممارسة حقه في المقاومة قبل أن يمتلك القدرة عليها، فإنه يهدد ليس فقط سلامته الشخصية بل يهدد قضيته ويهدد مجتمعه وقد يضع مبدأ المقاومة نفسه على المحك.
* فإذا سلمنا أن هناك فرقا بين الحق في المقاومة والقدرة على المقاومة فإننا ندخل هنا إلى بعد آخر ينساه المتحمسون العاطفيون للمقاومة وهو أسلوب المقاومة .
يفهم الناس المقاومة بأنها فقط المقاومة العنفية أوالصراع المسلح. وذلك فهم سطحي طفولي للمقاومة.
المقاومة طيف واسع من الأساليب. هناك مقاومة عنيفة، وهناك مقاومة سلمية، وهناك خليط من الاثنتين ،وهناك أنواع مختلفة داخل كل نوع من أنواع المقاومة .
اختيار الأسلوب ليس عشوائيا وليس قرارا نتخذه في لحظة عنترية، ولا هو نزوة انتحارية إيمانا ببعض الخرافات الدينية. أسلوب المقاومة يجب أن يبنى على قدراتك الذاتية من ناحية، وعلى تحالفاتك وداعميك من ناحية أخرى. أضف الى ذلك قوة العدو وقدراته وتحالفاته.
وبالتالي قد يكون أسلوب المقاومة السلمية هو الأسلوب الأنجح والأفضل في لحظة ما. و لدينا في العالم نماذج كثيرة حول نجاح أسلوب المقاومة السلمية فيما فشل فيه أسلوب المقاومة العنفية.
والقضية الفلسطينية بحد ذاتها أكبر دليل.
استمر سر عرفات في نهج المقاومة العنيفة والصراع المسلح أكثر من عقدين من الزمان. ثم بعد إدراكه أن أسلوب الصراع المسلح لن يفيد القضية الفلسطينية شيئا اتجه إلى المقاومة السلمية عن طريق الانتفاضة الأولى والمفاوضات السياسية التي انتجت اتفاق أوسلو. وحتى هذه اللحظة فإن اتفاق أسلو وعودة السلطة الفلسطينية إلى الداخل الفلسطيني هي أهم وأعظم إنجازات الفلسطينيين منذ بدء القضية الفلسطينية في بدايات القرن الماضي.
وعندما تتخذ أسلوبا من أساليب المقاومة لا يتناسب مع قدراتك الذاتية ولا مع تحالفاتك ولا مع الوضع الدولي فإنك بهذا تهدد أخلاقيه القضية وتهدد سلامة مجتمعك وقد يؤدي ذلك إلى أن تنتهي قضيتك أو أن تصبح قضية هامشية لا أحد يهتم بها .
* ومن العيب والغباء المقارنة بين أشكال من المقاومة لا يوجد أي وجه شبه بينها. فلا يوجد أي وجه شبه بين المقاومة الفلسطينية في غزة في الضفة، وبين المقاومة الجزائرية للاحتلال الفرنسي أو المقاومة الفيتنامية ضد القوات الأمريكية. فتلك مقاومات لها ظروفها وكانت مدعومة دعما دوليا بالسلاح والمال والدعاية والموقف السياسي للكتلة الاشتراكية أثناء الحرب الباردة.
كما أن المقاومة الجزائرية كانت تدور في أرض واسعة جدا وجبال وعرة تمكن المقاومين من الاختباء فيها وتجنيب المدنيين شر القتال. والمقاومة الفيتنامية اعتمدت على الغابات والغطاء الشجري لمهاجمة العدو. وهذا البعد الجغرافي لا يتوفر في غزة ولا في الضفة وهي أراض صغيرة ومفتوحة ومزدحمة بالسكان، وليست بيئة مناسبة لحرب العصابات أو الصراع المسلح لان تكلقة الارواح بين المدنيين ستكون عالية جدا وأقل من أي انجازات سياسية يمكن تحقيقها.
إن الخلط بين أنواع من المقاومة وجهل مقوماتها له آثار كارثية نشاهدها اليوم في الدمار الشامل لغزة والموت الجماعي المجاني والفشل في تحقيق أي هدف من الأهداف التي من أجلها تم ارتكاب جريمة 7 أكتوبر المشومة،
* عندما نتحدث عن المقاومة يجب أن لا ننسى بعدا جوهريا وهو مسؤوليات المقاومة.
إن أي جماعة تتصدر للمقاومة وخاصة المقاومة العنيفة يجب أن تتحمل المسؤوليات الكاملة عن مثل هذا القرار .
لقد ذهب المقاومون في جبهة التحرير الجزائرية الى الجبال ليجنبوا المدنيين ويلات الصراع المسلح وليفصلوا بوضوح بينهم وبين المواطنين الأبرياء. وهذا ما لم يتم في حالة حماس.
حماس لم تفصل بينها وبين المدنيين بل أنها تعمدت أن تبني الانفاق تحت المنشآت المدنية وأن تختبئ وتدير عملية عملياتها العسكرية داخل الأحياء السكانية. وتعمدت حماس أن تخلط خلطا متعمدا بينها وبين المدنيين لأن هذه هي الطريقة الوحيدة التي من خلالها تستطيع أن تختبيء وتحمي نفسها من الهجوم الإسرائيلي نتيجة الفارق الهائل في القوى.
* لكن هناك أيضا مسؤولية أخرى للمقاومة لم تقم بها حماس كانت حماس مسؤولة عن حماية المدنيين في غزة ما دام وقد قررت أن تقوم بما قامت به في 7 أكتوبر، وعجزت عن تحمل هذه المسؤولية وتركت أهالي غزة فريسة للوحشية الاسرائيلية.
وكانت حماس مسؤولة عن تزويد السكان بالغذاء والماء والدواء والمأوى طوال فترة الحرب التي أشعلوها، ونحن نعرف أن حماس عجزت عن تواي هذه المسؤولية وتركت الأهالي للجوع والأمراض تفتك بهم فتكا.
بل الأسوأ من ذلك أن قادتها اختبأوا في الانفاق وقالوا أن حماية المدنية ليست مسؤولياتهم وأن مسؤوليتهم فقط حماية مقاتليهم أما المدنيين فمسؤولية حمايتهم تقع على الامم المتحدة حسب تصريحهم الفضائحي بداية الحرب.
وهذا التصريح دليل على أن المقاومة التي تتخلى عن مسؤوليتها تتحول إلى وجه آخر الاحتلال وإلى وجه آخر بشع لوجوه القتلة الذين يفتكون بأرواح الأبرياء في غزة.
……………………..
فقرات من مقال أطول نشرته على صفحتي سابقاً