حينما تبدلت الأدوار بين عدن الحداثية المنهوبة
وصنعاء التقليدية العسكرية الناهبة فضاع كلّ شيء
(نادرا ما فهمتوني ونادرا ما فهمتكم، أما حينما نسقط كلنا بالوحل حيئنذ فقط يمكن أن نتفاهم)
في أوج ثورة المقاومة الجنوبية السلمية، قرر الباب العالي في صنعاء تعزيز الوحدة اليمنية، بعقد المؤتمر العاشر لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين في مدينة عدن بمناسبة الذكرى الأربعين لتأسيس الإتحاد في ذات المدينة التي كانت عاصمة دولة مستقلة ( جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ) عام ١٩٧٠م؛ عهد سالمين والحمدي، اغتنمت قيادة المؤتمر الشعبي العام الذكرى العشرين للوحدة اليمنية ٢٢ مايو ٢٠١٠م، وأمرت الإدارة المركزية للأدباء والكتاب في صنعاء أدباءها وكتابها لحزم أمتعتهم والرحيل إلى عدن لعقد مؤتمرهم العاشر في مدينة عدن بتاريخ ٢٢ مايو ٢٠١٠ م ليس حبًا لعدن بل تعزيزًا للوحدة اليمنية التي لم تحدث بعد! كنا في فرع اتحاد الأدباء والكتاب عدن قد عقدنا مؤتمرنا قبل مجي المهاجرون من قريش اليمن، وهكذا فعلت كل فروع الاتحاد في المحافظات الجنوبية والشمالية بإمكانياتها الشحيحة. كانت نتائج الانتخابات في عدن وحضرموت العريقة صادمة لمراكز القوى في صنعاء، إذ تمكن ثلة من أدباء وكتاب الجنوب من اختراق النمط المحدد للانتخابات المفترضة بين المؤتمر والمشترك فقط. أتذكر أنني نجحت مع عدد من الزملاء والزميلات في فرع عدن بأصوات عالية. انتظرنا في عدن قدوم اللجنة التحضيرية للمؤتمر من صنعاء الشمالية ٣٦٠ كم شمال عدن ولم نكن نحن الأنصار للأسف الشديد! كان مقر المؤتمر في قاعة محمد علي لقمان في جامعتنا (جامعة عدن) زمن الدكتور عبدالعزيز حبتور..
وصل المهاجرون من حزب المؤتمر واحزاب اللقاء المشترك بالحرب والغنيمة ومن رافقهم من ضباط الأمن القومي وكتائب الأحمر وتم استقبالهم في الفنادق المخصصة لهم، من قبل أنصارهم في الأحزاب وأعدوا القائمة التي يجب أن تفوز بالانتخابات.
صباح يوم المؤتمر دخلنا القاعة فإذا بالمنصة تكتظ بوجوه لا نعرفها؛ أدباء وكتاب من صنعاء وصعدة وذمار وعمران جاءوا إلى عدن بكل عددهم وعدتهم وعتادهم حتى الصحفيين، وصاحب التلاوة القرآنية والفراشين وحاملين الأعلام والشعارات. افتتح المؤتمر وكيل محافظة عدن شخص من صنعاء كان يعمل فراشا في وزارة الرياضة بصنعاء قبل الاجتياح. كنا نحن أبناء عدن وحضرموت والمحافظات الجنوبية قاعدين في المقاعد المخصصة لنا مثل عيال اليتيمة بالوليمة! لا حول لنا ولا قوة. أدهشني ما شاهدته في الجلسة الأولى، إذ اختلف المهاجرون فيما بينهم على رئاسة الجلسة الأولى، وفشلت الجلسة وتم تأجيلها إلى اليوم التالي. حصلت مشادات كلامية بين صاحبة ذمار بلقيس الحضراني، وصاحبة إب هدى أبلان، وفي اليوم التالي عقدت الجلسة وتبادلوا المكرفون كلهم من المهاجرين ويتحدثون عن الوحدة اليمنية وسبل ترسيخها بلهجات شمالية خالصة بالغة التهديد والوعيد واحدهم ألقى قصيدة عصماء عن الوحدة اليمنية التي تم ترسخها بالدماء وقال فيما قال أنها ثابتة وراسخة رسوخ جبال عيبان وشمسان الأبية! وفي سياق ذلك حصلت لأحد الشعراء الشعبين القادم من ذمار مشكلة في ردفان، إذ تم إيقافه وتفتيشه على ذمة الاضطرابات السلمية التي كانت مشتعلة حينذاك، فإذا بأحد الإخوة من المهاجرين يصعد المنصة ويطالب بإصدار بيان شديد اللهجة ضد من أسماهم (العصابات المتقطعة في ردفان!) قفزت من مكاني في وسط القاعة وصرخت بأعلى صوتي وقلت له: يا هذا احترم نفسك وانت تتكلم عن ردفان واهلها الكرام ، هؤلاء ليسوا متقطعين بل هم الذين حرروك من الحكم الإمامي الكهنوتي وهم من فجروا ثورة ١٤ اكتوبر المجيدة ١٩٦٣م انهم الذئاب الحمر عن ماذا تحكي؟! ردفان هي رمز الثورة والفدى والتضحية والبسالة، وليسوا متقطعين ولن يصدر بيان مثل هذا ونحن هنا! واد ينشب بيننا عراك مع ذاك الذي عرفت فيما بعد أنه المندوب الأمني للوفد الوحدوي، ولولا تدخل بعض العقلاء من أدباء الشمال ومنهم الأخ الروائي محمد الغربي عمران، لكنا تعاركنا في قاعة لقمان. على كل حال طلبت الكلمة في نهاية الجلسة الأولى من رئيسة المؤتمر هدى أبلان وقلت كلمتي في هذا المشهد الغرائبي المهين، وأتذكر أنني قلت لهم: يا زملاء يا أدباء يا كتاب اليمن، أليس من المخجل أن تكونوا أنتم المستضيفين في عدن، ونحن الضيوف غير المرغب فيهم؟! هذا عيب وحرام وليس له علاقة بالأدب والثقافة والكتابة وأشياء أخرى قلتها وربما كان الصديق العزيز الصحفي جمال جبران هو الوحيد الذي فهم المعنى وكتب خلاصة مداخلتي في تقريره الصحفي في صحيفة الثوري. اقترحت عليهم المبادرة بإعلان الاتحاد مؤسسة مهنية فدرالية يمنية فكما كان اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين هو أول مؤسسة وحدوية ولدت في عدن عام١٩٧٠م، فمن المهم إلى أقصى حد ممكن اليوم اتخاذ مبادرة ذكية تحفظ للاتحاد ماء الوجه وتعطي للسياسية نموذج جديد لإدارة الأزمة، التي أوشكت على الانحدار في دروب مجهولة المعالم. كان هذا مقترحي للأدباء والكتاب اليمنيين القادمين من صنعاء الجمهورية اليمنية الأخيرة. قلت لهم دعونا نعملها حتى يكون لسفركم من صنعاء إلى عدن قيمة ومعنى، ولكنهم كانوا يحلقون على اجنحة الأيديولوجية الوحدوية المميتة، ذلك المؤتمر كان بالنسبة لي هو آخر أمل للتعايش بين الجنوب والشمالي فخاب الأمل وسارت الأمر إلى نتائجها المنطقية، طبعا أسقطونا كلنا من قائم الترشيح، وعادوا الى صنعاء بالقائمة التي كتبها لهم صاحب سنحان، ولكنها لم تحمي الوحدة ولم تبقَ على ذكرى طيبة للأسف الشديد وقد عبرت عن مشاعري ووجهة نظري حينها. قلت عبر الأدباء والكتاب ما أرادت قوله فذهبت إلى حال سبيلي وبقي الخراب والذكرى المرة، وحينما تتضخم السياسة وتنشر خطابها الإيديولوجي الدوجمائي في عموم الأفق الثقافي، تنحسر أو تغيب كل الخطابات الأخرى- العلمية والأدبية والفنية، ذلك لأن السياسة- كما هو معروف- لا حد لرغبتها في التمدد والانتشار والاستحواذ والتوسع في كل الفضاءات، فالسياسة تكره الفراغ، والسياسية من حيث هي ممارسة للقوة كما يقوم (ميشيل فوكو)، ليس لها من حدود غير ذاتها، إنها لا تريد ولا تحب إلا ذاتها، وهذا هو قانون القوة، فالقوة ليس لها من هدف غير القوة، والمزيد منها ومن ثم فهي سعي دائم لامتلاك وقولبة كل ظواهر الحياة الطبيعية والاجتماعية الثقافية والاجتماعية- المادية والرمزية، سعي لا يكل من أجل جعل كما ما هو خارجها يدمج في الداخل، داخل بنيتها الفعلية والمتخيلة، ذلك في سبيل تعزيز قوتها، فحينما تحشر جميع العناصر الفاعلة في حياة المجتمع: الأرض والسلطة والثروة والنفوذ، والاقتصاد والدين والأدب والعلم والثقافة . إلخ.
وحينما تتمكن السياسية من هضم وإعادة قولبة لكل عناصر القوة الواقعية أو المتخيلة في بنيتها الكلية المتوحشة، ينام الوحش بأمان، حينها تغدو السياسة كما يقول دللوز « هي التي تقول ولا تتكلم» إذ يصبح كل خطاب أو قول أو تعبير، حتى وإن ارتدى أو لبس أزياء الأدب والعلم أو الثقافة، فهو يكرر البنية ذاتها، ويكرر الخطاب ذاته بألفاظ وتعابير مختلفة فلم يحدث من قبل في كل تاريخنا أن يكون للسياسة مثل هذا الحضور الطاغي في الممارسة والفكر والأدب، لقد ظل هناك هامش ولو ضئيل- حتى في أحلك الظروف- للخطابات الأخرى الأدب والعلم والفن، وكان الأدباء والمثقفون في الماضي- يستطيعون التحليق والغناء في فضاءات أكثر رحابة وحرية وفاعلية، فلم يكن المثقفون في أي وقت من الأوقات جزء من مؤسسات السلطة السياسية، كما هو الآن بل ظل ينافح في سبيل الحفاظ على قدر محدد من المسافة المحترمة، بين السلطة والأدب والثقافة- مسافة محددة وواضحة وفاعلة ومحترمة، وكانت السلطة تسعى إلى مراضاة الثقافة وتمنحها ما تستحقه من التقدير والاحترام والهيبة والجلال.
أنا لا أحب المقارنة في الأحوال التاريخية والاجتماعية، لأنني أومن بفكرة التاريخ الذي لا يتكرر أبدا مرتين حتى وإن بدى كذلك. وكل عصر هو مسؤولية أهله وجيله، وحتى لا نحمل المثقف اليوم بما ليس وظيفته من المهم أن ننظر إلى المشهد بكليته، فنحن في لحظة انحسار سلطة ومكانة المثقف المحترم وبروز وعاظ السلاطين وانصاف المثقفين الذين يعرضون بضاعتهم في سوق المسيطرين على مقاليد القوة والسلطة والثروة، ثمة طفح هائل من السطحية والخفة والعتة والابتذال وغياب الإحساس بالمسؤولية، وتلك ثقافة تم تنميطها على مدى العقود السابقة من الخراب المنهجي لكل شيء طيب وجدير بالتنمية والرعاية، والناس على دين ملوكهم، والقوة هي التي تشكل المجتمع وليس العكس، ونحن نشكل مؤسساتنا ثم تقوم هي بتشكيلنا، فكيف ما كانت نكون!
واليكم خلاصة ما كان ينبغي أن يفهمه الأدباء.
الحرب والنهب والتكفير ادوات تدمير لا بناء
يروي الكاتب السوري بشير البكر في شهادته على الأحداث، والبكر كان مقيماً في عدن أثناء الحرب، أنه وبعد إسقاط مدينتي عدن والمكلا من قِبل القوات الغازية، حصلت عملية اجتياح واسعة للجنوب ونهب وانتقام على طريقة ما قبل القرون الوسطى؛ فكتب يقول: "ما تعرضت له عدن بعد سقوطها، وعلى مدى أسبوع يفوق الوصف، ولكن يمكن تلخيصه بعبارة واحدة "السبي الكيفي المُنظم". أي أن هناك تجاوزات منظمة وتجاوزات كيفية. لكن اختلاط الناهبين من جنود ومقاتلي القبائل والإسلاميين أراح الحكومة في صنعاء من المسئولية من دم تلك المدينة التي تفرق بين القبائل".لقد نُهبت المؤسسات والقطاعات العامة للدولة والمحلات والمتاجر وأرزاق المواطنين وممتلكاتهم من سيارات وأدوات كهربائية ومواد غذائية وأثاث، فاكتظ طريق عدن-صنعاء البري على نحو غير معهود بالسيارات الذاهبة شمالاً وهي تحمل الغنائم أو تلك الآتية للبحث عن الغنائم. فخبر سقوط عدن والفتوى لاستباحتها انتشرا بسرعة البرق في أوساط الشمال، الذي هبت قبائله للسبي وفقاً للعُرف الذي اعتادت عليه. وبعد أسبوع من السبي، والجانب الرسمي المحلي والعربي والدولي مطبق في صمته، خرج نائب رئيس الوزراء ليقول أن عمليات النهب توقفت. فرد عليه عُمر الجاوي، الذي عُين بعد الحرب رئيساً للجنة إنقاذ عدن، بالقول: "لم يبق ما يُنهب" كما انتشر على نحو مخيف الاستيلاء على المنازل والممتلكات بالقوة والعنف. فتعرضت الممتلكات العامة للنهب الكلي. وفي خريف ذلك العام نقلت تقارير عن وجود حالات استيلاء على ممتلكات خاصة بالقوة, وتحدث السكان عن حالات تدخلت فيها القوات المسلحة مقابل الحصول على نظير نقدي لمصلحة بعض الشخصيات النافذة لطرد السكان من مساكنهم. وفي المجال الاقتصادي قام المتحالفون مع النظام بمصادرة الأراضي سواء في عدن أم في المكلا على أساس إعادة توزيع الممتلكات المصادرة سابقاً من قِبل الدولة في الجنوب. وهكذا تم فرض النموذج المعروف في صنعاء على العاصمة الجنوبية والمناطق الأخرى. وقد كان استخدام مؤسسات الدولة الرسمية، كالجيش والأمن، في دعم وتوفير غطاء للتجاوزات والانتهاكات ، فضلاً عن السهولة البالغة في جلب واستخدام وحدات عسكرية وأمنية (رسمية) من قِبل النافذين لردع أي مقاومة لتجاوزاتهم حاول أن يبديّها بعضُ المدنيين، في حالات نادرة، دفاعاً عن ممتلكاتهم.. لقد كان ذلك بمثابة سابقة خطيرة ومدمّرة في الجنوب على مدى عقود طويلة من تاريخه.
وبعد هيمنة نظام الجمهورية العربية اليمنية، يشير الباحث الفرنسي مرمييه إلى مدى الاختلال الفج الذي ظهر في مجالٍ هامٍ للغاية؛ هو المجال القضائي، أنه في العام 1997م اعتدى ضابط أمن سياسي ينتمي إلى قبيلة شمالية بالضرب على قاضٍ في حرم محكمة عدن بعد أن ذكّره هذا القاضي بمنع حمل السلاح في المحكمة! ومع معرفة الضابط (الذي لم يتعرض للمساءلة قط) وضع ضحيته، ذبح ثوراً في اليوم التالي عند باب المحكمة "تعويضاً" عن فعلته وفقاً للتقاليد القبلية الصِرفة! وهكذا تؤدي ـ يُعلق مرمييه على الحادثة ـ ممارسة السلطة العليا الخفية، ممثلة بضابط الأمن السياسي، للعنف والتعسف ضد شخص يمثل عدالة يفترض أن تكون رمزاً للمساواة بين المواطنين أمام القانون إلى زيادة الشعور بفرض قانون غريب عن المدينة.
هذه الأمثلة على الانتهاكات في الحقوق الخاصة، وفي النظام الضبطي الاجتماعي العام، وفي آليات عمل مؤسسات الدولة، هي في حسابات الكم قطرة في بحر الانتهاكات التي تعرض لها الجنوبيون منذ غزو 1994م، ولا سبيل إلى سردها هنا، وتأتي في إطار سلسلة طويلة من الانتهاكات والخروقات والتجاوزات لم تتوقف قط حد اللحظة. أما إذا نظرنا إليها من حيث الكيفية، فسيقودنا ذلك إلى استنتاج فرضية وحيدة كان مرمييه نفسه قد توصل إليها بعد سنوات عدّة من هذه الحرب، إذ يقول في دراسته "اليمن: موروث تاريخي مجزّأ": « تبدو الجمهورية اليمنية اليوم على المستوى السياسي استمراراً للجمهورية العربية اليمنية أكثر منها محاولة أصيلة لدمج نظامي صنعاء وعدن». فبعد انتصار القوات الشمالية، وهزيمة الطرف الجنوبي «اختفى نموذج المجتمع العدني، وأغرقته السيطرة المتزايدة لنموذج الحكم والمراجع الثقافية القادمة من صنعاء. وقد شُبّهت هذه السيطرة للسلطة الشمالية على جميع مناطق الجنوب بـ"الاستعمار الداخلي"».
فالحرب في معناها اللغوي تعني القطع، البتر، الفصل، ومن هنا اشتقت أسماء “الحربة” بمعنى الحد القاطع، والحرابة بمعنى قطع الطريق أو التقطّع. والحرب بما أنها، وبطريقة ما، شكل من أشكال التفاعل والاتصال بين الذوات الاجتماعية، فهي تعني بأن العلاقة بين الذوات قد استنفذت جميع قنوات التواصل والاتصال والتفاعل العقلاني الإنساني الحواري التشاوري والكلامي السلمي.. وهي بذلك تقع على الطرف النقيض للوحدة والتوحد والاتحاد والعيش المشترك في مجتمع أمن ومستقر .
الوحدة بما هي اندماج اجتماعي وخير سياسي ونفع اقتصادي ومساواة وتكافوء فرص وتنافس شريف وتعاون وتضامن واحترام وثقة وتفاهم ومودة وتعاشر وتساكن ونما وتقدم ورقي وازدهار وامن وعدل وحرية وسلم وعزة وكرامة وحماية ورحمة وشفقة ومشاعر متبادلة …الخ الوحدة التي هي دائم وابد على الطرف النقيض للحرب والقتل والتدمير والاحتلال فحينما تنشب الحرب، تختفي الوحدة، وحينما تحضر الوحدة تغيب الحرب، إذ أن الوحدة هي كما اسلفنا ونكرر وصل واتصال وتواصل وتفاهم وانسجام واحترام واعتراف متبادل بين الأطراف الداخلة فيها انها ويجب ان تكون حياة وليس قتل وموت !!! إما الحرب فهي قطع وقطيعة وعنف وتدمير، كره وعدوان وقتل وحرمان، حقد وقهر وثأر وانتقام وشر وظلم وجرم وقسوة وفحش ومنكر وكل ما يمكن تخيله من آثام وعذابات ومرارات وجراحات تظل غائرة في النفوس والاجساد حتى بعد زوالها. فإذا لم توجد الوحدة القلوب والمشاعر يستحيل العثور عليها في أي مكان أخر. والخلاصة هي ان أردت ان تتأكد من وحدة النسيج الاجتماعي السياسي الثقافي لمجتمع ما ، فعليك النظر الى طبيعة مشاعر أفراده وعواطفهم ؛ بماذا يشعرون وكيف يعبرون عن مشاعرهم وانفعالاتهم ؟ ، فان وجدت قواسم مشتركة في مشاعرهم ودوافعها وأنماط التعبير عنها فاعلم أن ثمة وحدة من نوع ما تسري في نسيجهم الاجتماعي الثقافي المشترك سريان الروح بالجسد وهذا هو ما يسمى (الاندماج الاجتماعي ) ، أما اذا وجدت مشاعرهم وعواطفهم مشتته وأن لا احد منهم يشعر شعور الأخر ولا احد يحس بما يحس به جاره من عواطف ومشاعر الحزن والفرح والتعاطف والشفقة والحب والكره وأن كل في فلكه يسبحون فاعلم أن البون شاسعا بينهم والوحدة والتوحد والاندماج دونها خلط القتاد وهكذا كما أن ما يربط أفراد الأسرة والعشيرة والطائفة والمذهب والمجتمع المندمج هي مجموعة من المشاعر المشتركة النابعة من المصالح والروابط المشتركة في الواقع فكذلك يفترض أن يتأسس المجتمع تخيليا، عن طريق الوعي الانعكاسي حينما تكون الذات عينها كآخر ! بمعنى قدرة كل فرد من أفراد المجتمع المتعين على استبطان الآخرين الذين لايعرفهم معرفة شخصية في وعيه والتعاطف معهم والشعور بمشاعرهم، وهذه هو ما يفسر الشعور القومي أو الوطني أو المدني التضامني في المجتمعات التي تحكمها دولة ديمقراطية حديثة!