انتشرت بعض الأنباء خلال الشهرين الماضيين حول رفع اسم الإخواني يوسف القرضاوي من قائمة الشارة الحمراء على موقع الشرطة الدولية (الإنتربول).
وكان الإنتربول قد نشر اسم القرضاوي على موقعه الإلكتروني كمطلوب بتهم السلب والنهب والحرق والقتل، هو وعدد من عناصر جماعة الإخوان الإرهابية كمطلوبين على ذمة قضايا عنف وتخريب في مصر منذ عام 2014.
وتلاحق القرضاوي، رجل الدين المصري المقيم في قطر، اتهامات بالتحريض على الاحتجاجات والجرائم الدموية التي أعقبت الإطاحة بحكومة الرئيس الإخواني المخلوع محمد مرسي، التي كان يهيمن عليها الإخوان المسلمون، حسب ما جاء في مقال كايل شيديلر، مدير شبكة مكافحة الإرهاب والمتطرفين الإسلاميين CIG، وهي مبادرة منبثقة عن منتدى الشرق الأوسط MEF التي نشرها بموقع "The Federalist" الإلكتروني الأميركي.
على رأس قائمة المطلوبين
ولطالما كان القرضاوي عنصرا محوريا، ويأتي على رأس قائمة المطلوبين في أسباب الخلاف الحالي بين قطر وجيرانها العرب (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) الذين يتهمون قطر بإيوائها وتمويلها لإرهابيين ومتمردين يسعون إلى زعزعة استقرار المنطقة.
ورفع اسم القرضاوي من النشرة الحمراء للإنتربول التي تضم المتهمين حول العالم، والمطلوب ضبطهم وتسليمهم لمحاكمتهم باقتراف جرائم إرهابية، هو بمثابة فوز لقطر راعية القرضاوي، التي رفضت أن تنأى بنفسها بعيدا عن رجل من قيادات تنظيم الإخوان المسلمين على الرغم من هذا الضغط الدبلوماسي والاقتصادي الشديد الذي تتعرض له. وعلى الرغم من أن قطر قامت بتحديث قوائم تصنيف للإرهاب في العام الماضي استجابة للانتقادات الدولية، استماتت في الدفاع بعناد مثير للشك عن القرضاوي.
مسالك قطرية ملتوية
ولم يتضح على الفور ما إذا كان تم بالفعل اتخاذ قرار رفع اسم القرضاوي من النشرة الحمراء، أو ما إذا كان تم اتخاذه نتيجة لوساطة مباشرة أو غير مباشرة من قطر، التي لا تتوانى عن سلك أي طريق رسمي أو معوج لتحقيق غاياتها.
وقد سمح هذا التأثير لقطر بتجاهل النقد الدولي على نحو صارخ بسبب سجلها في استضافة وتأييد الإرهابيين والمتطرفين، خاصة يوسف القرضاوي.
من هو القرضاوي؟
ولفهم السبب في أن قطر لا تزال تدعم بتحدٍ مريب القرضاوي يتطلب الأمر فهم الدور المهم الذي يلعبه الأخير في الشؤون القطرية والأهداف الاستراتيجية في قطر.
ربما يكون القرضاوي معروفا في الغرب بمعاداته للسامية اللاذعة، عبر منصة الجزيرة الإعلامية التابعة للحكومة القطرية وكذلك إصداره الفتاوى التي تدعم استخدام التفجيرات الانتحارية.
جمعية خيرية ترعى الإرهاب
وفي عام 2008، أدرجت الحكومة الأميركية التحالف الخيري الدولي بقيادة القرضاوي، المعروف باسم "اتحاد الخير"، ككيان إرهابي لدوره في تمويل الإرهاب.
كما تم التوصل إلى قرائن وأدلة تدين "اتحاد الخير" بدعم جماعات إرهابية منبثقة عن تنظيم القاعدة.
نفوذ لكافة مفاصل الدولة القطرية
وبذل القرضاوي أدوارا رئيسية في ظهور قطر وتأثيرها القوي لدى تلك التنظيمات والجماعات، منذ أن تم منحه الجنسية القطرية بعدما تمكن من الفرار من حملات ملاحقة عناصر جماعة الإخوان المسلمين المصرية في الستينيات. ولا يزال القرضاوي يؤدي دوره كقائد روحي ومؤثر لتنظيم الإخوان، الذي تدرجه الكثير من الحكومات كمنظمة إرهابية، إلا أنه امتنع مرتين عن قبول عروض بأن يصبح المرشد الأعلى لجماعة الإخوان المسلمين.
وكما كتب السفير الأميركي تشيس أنترماير، في برقية إلى وزارة الخارجية الأميركية في عام 2005، فإن القرضاوي هو "المفكر الإسلامي الوحيد في قطر الذي يتمتع بثقل وأهمية"، ومنذ وصوله إلى قطر، تمكن من الوصول إلى نفوذ هائل في جميع قطاعات ومفاصل دولة قطر، الدينية والإعلامية والتعليمية والقطاعات المالية والأنشطة الخيرية، كصديق مقرب من عائلة آل ثاني الحاكمة.
التعليم ومؤسسة قطر
وساعد القرضاوي على تأسيس نظام التعليم القطري، كما شارك بعمق في مؤسسة قطر، وهي منظمة غير ربحية مستقلة اسمياً تعمل كوسيلة لتعزيز نفوذ قطر، خاصة المدينة التعليمية التابعة لمؤسسة قطر، التي تربطها علاقات مع العديد من الكليات والجامعات الأميركية.
اختراق فكري لجامعات أميركية
وتضم المدينة التعليمية بين جنباتها أيضا مركز القرضاوي للوسطية الإسلامية والتجديد، وتقدم منحا تعليمية باسم القرضاوي للدراسات الإسلامية. وتمكنت مؤسسة قطر، عن طريق استغلال الشرعية التي أضفتها عليها علاقات التعاون مع الجامعات الأميركية، من الترويج للفكر الإسلامي وفقا لوجهات النظر التي تتبناها بين المعلمين الأميركيين.
تمويل الإرهاب
ولعب القرضاوي دورا هاما في النظام المصرفي القطري كمستشار لبنك قطر الإسلامي (QIB) وبنك قطر الدولي الإسلامي (QIIB) وبنك قطر الوطني (QNB). ولكن بأسلوب دفع دولة الإمارات العربية، على سبيل المثال، إلى إدراج كل هذه البنوك القطرية في القائمة السوداء لدورها المشبوه في تسهيل تمويل الإرهاب.
شبكة تبشير دولية
ويمارس دورا كبيرا بتأثير قوي خارج قطر، حيث أنشأ القرضاوي شبكة دولية للترويج لأهداف الإخوان المسلمين، والتي وصفها في اجتماع عقد في عام 1996 في توليدو، أوهايو بأنه غزو للغرب "من خلال الدعوة" وهو مصطلح يترجم إلى "استراتيجية تبشيرية"، ولكن غالباً ما يستغله الإخوان المسلمون للإشارة إلى علامتهم الخاصة بالتلقين الأيديولوجي.
ويتم تنفيذ ذلك على المستوى الدولي من خلال الاتحاد الدولي لعلماء المسلمين (IUMS)، الذي اشتهر بفتواه عام 2004 في استهداف الأميركيين في العراق وقتلهم، بمن فيهم المدنيون.
اتحاد "علماء الإرهاب"
أعلنت الدول، التي قطعت علاقاتها بقطر، الاتحاد الدولي لعلماء المسلمين IUMS منظمة إرهابية كجزء من جهودهم لمجابهة المد الدولي الذي يسعى القرضاوي لتعزيزه.
وفي أوروبا، ينشر القرضاوي رسالته من خلال المجلس الأوربي للفتوى والأبحاث (ECFR) واتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا (FIOE)، وهي منظمات يقودها عملاء الإخوان المسلمين.
صلات بعناصر إرهابية في بوسطن
كما كان للقرضاوي دور مؤثر بشكل سلبي في الولايات المتحدة، حيث تولى منصب عضو مجلس الأمناء الأول للجمعية الإسلامية في بوسطن، وهو مسجد تورط في صلات بعشرات الإرهابيين الذين تم إدانتهم أو ترحيلهم أو تم تصفيتهم على أيدي الشرطة الأميركية، والذي تم تمويل إنشائه من خلال عنصر تم إدانته بالانتماء لتنظيم القاعدة الإرهابي.
مصالح متبادلة
ويؤمن القرضاوي لقطر إمكانية الوصول إلى شبكة دولية من النشطاء الإسلاميين في جميع أنحاء العالم الغربي، الذين هم على أهبة الاستعداد لدعم أهداف السياسة القطرية. وفي المقابل، يتم تعزيز انتشار القرضاوي، على نطاق عالمي إلى حد كبير، من خلال توفير رعاية الدولة القطرية.
ويقدم النظام القطري الدعم الكامل للقرضاوي بسبب علاقاته المشبوهة مع الإسلاميين في جميع أنحاء العالم، متجاهلاً احتجاجات الدول العربية الأخرى والولايات المتحدة، بالإضافة إلى الانتقادات الأوروبية للرسائل العنيفة التي يضمنها القرضاوي في خطبه وعلاقاته بشبكات تمويل الإرهاب.
الدوحة وشبكة عنكبوتية للإرهاب
وتعتمد استراتيجية الدوحة، لتوسيع نفوذها، على القرضاوي كنقطة مركزية للتواصل مع شبكة عنكبوتية من المتطرفين الإسلاميين، لذلك فمن المتوقع أن تستمر قطر في حماية القرضاوي من جهود مكافحة الإرهاب الدولية على الرغم من أي تداعيات سلبية تلحق بها.
إجبار الدوحة بضغوط قوية
ويجب أن يدرك صانعو السياسة الغربيون أن النظام القطري لن يتخلى عن هذا الموقف عن طيب خاطر. ولعل محاولات رفع اسم القرضاوي من القائمة الحمراء للإنتربول تبرز خطأ الاعتماد على المؤسسات الدولية لضبط المتطرفين والإرهابيين أمثال القرضاوي.
ولحسن الحظ، تمتلك الولايات المتحدة أدوات جاهزة للتعامل مع مثل هذه التحديات. وربما من الملائم أن تقوم وزارة الخزانة الأميركية بضم اسم القرضاوي إلى قائمة إدراج الإرهابيين على مستوى العالم، بسبب دوره العلني كرئيس لـ"اتحاد الخير"، المدرج بالفعل على قوائم المؤسسات والتنظيمات الإرهابية. كما يمكن أن يتم توسيع نطاق الكيانات المدرجة من خلال ضم كل التنظيمات والكيانات الأخرى التي يقودها القرضاوي أو يهيمن عليها، وفقا لما تتوصل إليه المعلومات الاستخباراتية حول شبكة القرضاوي، بالتعاون مع حلفاء الولايات المتحدة حول العالم بهدف تضييق الخناق عليه وعلى أنشطته المثيرة للريبة. كما أن تلك الخطوة ستشكل ضغطا حقيقيا على الدوحة ويدفعها لإعادة النظر في اعتمادها بشكل محوري على القرضاوي، خاصة فيما يتعلق بنظامها المالي والمصرفي.